المتنبي لم يبلغ شأواً! - أحمد علي سليمان

كفوا عن المدح والإطراءِ ، واعترفوا
أعيتْ مدائحُكم قلوبَ مَن عَرفوا

لم يبلغ (المتنبي) عُشر مِدحتكم
أو عُشرَ توصيف مَن غالوا ومَن وصفوا

ما الشعرُ إن لم تكنْ رسالة رُصِدتْ
لها القصائدُ تنفي جهلَ مَن خرفوا؟

ما الشعرُ إن لم يكن يهدي لمَكْرُمةٍ
سما بها النصُّ ، ثم استشرفَ الهدف؟

ما الشعرُ إن نال مِن توحيدِ خالقنا
ومَجَّهُ السَّلفُ الماضون والخلف؟

ما الشعرُ إن نال مِن (جبريلَ) في وَضَح
تُغري مَساءتُه الرَّعنا مَن انحرفوا؟

ما الشعرُ إن عَظمَ المخلوقَ دون حيا
يُعطيه وصفاً به الرحمنُ يَتصف؟

ما الشعرُ إن عابَ رسْلَ الله ، ما احترمتْ
ألفاظه قِيماً تسمو بمَن عَرفوا؟

ما الشعرُ إن سَبَّ (ذا القرنين) تحسَبُهُ
ضاقتْ به هِممُ القرَّاءِ ، والصحف؟

ما الشعرُ إن شابَهُ في نظمه بَطرٌ
وفرَّخ الكِبْرُ في الأبيات والصَّلف؟

رأيتمُ (المتنبي) شاعراً شرُفتْ
به الديارُ ، فأين العِز والشرف؟

إذا عنيتُم بما قلتُم تمكنه
قلنا: جميعُ الورى بذلك اعترفوا

هو الضليع ، فلا عيبٌ يُجَرِّحُهُ
ولا ترى أحداً عليه يختلف

أجاد حتى بدتْ شمساً إجادته
وما خبا ضوؤها ، فليس تنكسِف

وشاهدي دُررُ (الديوان) ناطفة
ومَن أحبوه بالأمداح قد هتفوا

يكادُ يُجْمعُ نقادُ القريض على
تفرُّدِ (المتنبي) جُلهم كشفوا

وما التفرُّدُ إن مضى الضلالُ به
مَن بالضلال له بعد الهُدى شغف؟

وما الإجادة إنْ أودى الغرورُ بها
وعَشعشَ الهُزءُ في التقصيد ، والخرف؟

يا قومنا طالعوا عنه النصوصَ سَمَتْ
عن التزيُّدِ ، وافانا بها السلف

مناسبة القصيدة

(قام أحد الباحثين بذلك ، وهو الأستاذ إبراهيم بن علي بن محمد الشريم ، وكتب: "المخالفات العقدية في ديوان أبي الطيب المتنبي: جمعاً ودراسة" ، وهي رسالة ماجستير مقدمة لجامعة أم درمان بالسودان. وهذه الرسالة تتميز عن سواها بالحيدة والموضوعية والإنصاف وأقام الباحث الأدلة القاطعة على صدق ما ذهب إليه من شطحات المتنبي. ومن ناحية أخرى هناك من يشير إلى أنّ هذه الغرائب في مدائح المتنبي قد سببت غموضاً في شعره ، ما دفع النقاد واللغويون إلى شرحه وتفسيره ، فظهرت عدة شروحٍ لديوان المتنبي بلغت الخمسين شرحاً وتزيد ، ويَعزو شوقي ضيف ذلك إلى كثرة الغريب في الديوان ، فيصفه ؛ (بأنّه مستودع للتراكيب الشاذة في اللغة) ، أما ناصيف اليازجي فيرى أنّ السبب في كثرة الشروح للديوان عائد إلى أنّ استعمال المتنبي للغريب من الألفاظ أدى إلى وضع ألفاظٍ في غير مكانها ، كما أدى الحذف إلى حذفٍ في غير موضعه ، وأدى التقديم والتأخير إلى عدم ربط أجزاء المعاني ببعضها).هـ. من أجل ذلك كان هذا النص لبيان حقيقة (المتنبي) وليس لحقدٍ عليه ولا لنفي شاعريته. بل في الوقت الذي نعترف فيه للمتنبي بجودة شعره ، نعترف أيضاً بشطحاته العقدية.)
© 2024 - موقع الشعر