أتظن أنك حينما أحرجتني؟ معارضة لمهذل - أحمد علي سليمان

أتظنُّ أنك عندما أحرجتني
بين الأنام مُعَرِّضا بثباتي

وسَخِرْت مِن أدبي وفرط تحَلمي
وهزئت مِن قِيَمي ومِن هدَآتي

وطعنت بُرهاني وقاطعَ حُجَّتي
وشكَكت في صِدقي وفي كلماتي

وبدا انتصارُك للعيون مُظفراً
وأنا هُزمتُ تلوكُني دَمَعاتي

ودعوت مَوتى في القبور مُؤمِّلاً
أنْ يستجيبوا هذه الدعوات

وجهرت أنْ فضلُ الوليِّ على النب
يِّ مُعَظمٌ ، ويَفوقه درجات

ورأيت بالعِلم اللدُنيِّ الورى
حمقى ، وأنت مُطيَّبُ المَلكات

وعشقت تفسيراً إشارياً سما
عن أن يكون له قبيحُ سِمات

وهتفت للدنيا بكل تبجُّح
أنت القيامة عن قريب آت

مَن كالقيامة يا جهولُ ، ألا تعي؟
أم غاب وعيُك في لظى السكرات؟

هل مسَّ عقلَك مِن جنونك هاجسٌ
حتى ابتُلِيت بأشرس المَسَّات؟

وزعمت أنك كالمسيح فعائدٌ
لتُعِيد حقاً مُبتلىً بعُتاة

وقدرت تُبْرئُ أبرَصاً في أهله
وهرعت تُحيي الآن بعضَ مَوات

وعلى يديك العُميُ عافهُمُ العمى
وعيونُهم شُفِيتْ مِن النفحات

ولتقتلَ (الدجالَ) عاث بأرضنا
سُوءًا ، فعِشنا في دنيء حياة

عيسى بريءٌ منك يا متخرصاً
يا مُوغلاً في الزيغ والسقطات

وشَهدت نفسَك مُصلحاً بلغ الذرى
وبدا بخير عِبادة وصلاة

وأتى لكل الناس أعظمَ مُرشِدٍ
برسالةٍ جاءتْ بخير وَصاة

ستُوحِّدُ الأديانَ أديانَ الدُّنا
والدينَ جاء به جميعُ هُداة

لتبيت دِيناً واحداً مُتوحداً
صَفيته مِن سَييء الهفوات

ستُوحِّدُ الكتبَ التي نزلتْ لنا
مِن ربنا في سالف الفترات

لتصيرَ والقرآنَ سِفراً واحداً
وتُجيدُ حبكتها بكل أناة

وتكون أنت الفردُ أهلَ حقيقة
لا تحتفي بنصوصنا ورُواة

إذ نحن أهلُ شريعةٍ أحكامُها
ليست تسيرُ على الولي العاتي

وجهرت بالذكر الجماعيِّ الذي
هو ديدنُ (الصُّوفيِّ) في الخلوات

وصدحت بالتوشيح يَشفعُه الغنا
في سامر الجلسات والسهرات

وأتيت بال (سَّيِّيط) يَصحبُ فرقة
والعَزفُ يُتحفُ سامرَ الندوات

وتُكَلمُ الأرواحَ تُدركُ سِرَّها
مَرحى بدارس كُنهها ولغات

وتُهاتفُ الجِّنَّ الألى لك سُخروا
هم للذي ترجوه خيرُ أساة

وتُداعبُ الشيطانَ تقهرُ بأسَه
ليكون أرذلَ ما ترى مِن ذات

أتُبادلُ الشيطانَ بعضَ شُعوره؟
أتُعِيرُه مُسترسَلَ الهمزات؟

وتُسَخر العفريت تستقوي به
إما ابتُليت هنا بمَكر طغاة

وقرأت في (شمس المعارف) صفحة
مِن ذا الكتاب المُشركِ الصفحات

فحذقت عِلمَ السحر مَزهُواً به
وخبرت ما في السحر مِن نفثات

وزعمت عِلمَ الغيب ، أحقِرْ بالذي
طرحَ المخارفَ في عقول غواة

وزعمت كعبتنا تطوفُ بزائر
العقلُ أين؟ فهل شدا بوفاة؟

ورأيت في الرَّقص البغيض عِبادة
بدم يُراقُ بدون أيِّ شَكاة

واللطمُ يَصحَبُه العَويلُ مُرنماً
أسفِي على هتافةٍ ونُعات

إني انسحبتُ مِن الجدال مُفضِّلاً
بُعدي ، ولم أعمَد لأي أذاة

أتظن أنك عندما جادلتني
أخرستني بإثارة النعرات؟

أتظن أنك بالخصومة عِبتني؟
أو نلت مني يا سليلَ غفاة؟

أنا قد فضحتُك بالقريض حقيقة
والشعرُ يَقرؤُه بهيُّ ثِقات

كي يَحذروا مِن جاهل مُتعالم
لا بد أن يحظى هنا بفوات

أنا ليس لي باعٌ بإقناع الغثا
مادمتُ مُعتزاً بمُعتقداتي

فالزمْ حُدودَك يا جهولُ ، وعافني
هذا السجالُ ينالُ مِن خلجاتي

ألفيتُ عقلك لا يُصِيخ لصرختي
ومتى استجاب لعاقل الصرخات؟

والله يَحكُمُ يا مُفرِّط بيننا
ولديه أدركُ نصرتي ونجاتي

مناسبة القصيدة

(دار حوارٌ بين أحد طلبة العلم الشرعي ، وأحد المبتدعة المرتزقة الجهلاء السفهاء وراح الثاني (المبتدع) لضآلة علمه بالشرع يجهل على الأول (طالب العلم) وزاد حباتِ الطين بلة فأخذ يُعدِّد بدعَهُ وتجاوزاتِه وخرافاتِه وأباطيلَه فادَّعى جَوازَ طلب المَدد من الموتى. وزعم أن هؤلاء الموتى يضرون وينفعون. وزعم حِلَّ الطواف بالقبور والنذر والذبح للأموات. وادعى أن الوليَ أفضلُ من النبي. وادعى العِلم اللدُنيَّ والتفسيرَ الإشاري. وزعم لنفسه أنه كالقيامة يأتي بغتة. وزعم أنه كالمسيح عيسى سيعود ليقتل الدجال. وزعم لنفسه أنه يُبْرئ الأبرصَ والأكمه ويشفي السقيم. وزعم أنه سيُوحِّدُ أديان الأرض الباطلة ودينَ السماء الحق لتُصبح جميعاً ديناً واحداً. وزعم أنه سوف ينسخ الكتب السماوية كلها إلى كتاب واحد. عجباً لهذا المتخرص: يَمزجُ الأديان ويمزج الكتب كأنها عصيرُ كوكتيل.)
© 2024 - موقع الشعر