لقد عدنا يا قاضينا! - أحمد علي سليمان

جئنا إليك لنا صَدىً نُرَجِّعُهُ
وكل زوج له عَرضٌ يُطمِّعُهُ

وبات يشغله تدميرُ صاحبه
والانتصارُ لحظ النفس يدفعه

كلٌّ يُبَيِّتُ سُوءَ الظن يَحسبُه
عند التشاكي لدى القضاء ينفعه

الذكرياتُ مضتْ ، والبُؤسُ جندلنا
ولا رصيد من الإيمان يردعه

كلٌّ يُؤَمِّلُ في الطلاق نصرته
وإنه الوهمُ يُغويه ويخدعه

وأجَّلَ الحُكمَ قاضينا ، وضاق بنا
ذرعاً ، وضاقتْ بنا أهواؤنا معه

كم حاول الشهمُ إصلاحاً ومَعدلة
ولمَّ شمل لوجه الله يجمعه

كم أقنعَ الزوج ، لكن زوجُه شطنتْ
وما الحياء إذا ما زال برقعه؟

كم ساق في ساحة الزوجين من حجج
وكل نص بآي الذكر يشفعه

وما استجبْنا لما يُمْليه من شُبَهٍ
وكل حبل لوصل الودِّ نقطعه

وساقَ حلاً لزوج الست مرتجلاً
عساه إمَّا ارعوى للحل يُقنعه

أن يكتب الزوج عشراً من مناقبها
بكل صدق ، وبعد الكَتْب يُطلعه

فخط عشراً من الخلال صافية
والصدق كان كمثل الجرح يُوجعه

وسلمَ الطرسَ للقاضي على عجل
فأجَّلَ الحُكمَ لمَّا سالَ مَدمعه

وقال: دَورُكِ جا ، فلتكتبي دُرراً
عن الحليل صَفتْ ليست تُقرِّعه

وبعد حين إذا بالجلسة انعقدتْ
والحاجبُ انحاز للستار يرفعه

وقال: فلتقرئي ما خط من جُمَل
بخافت الصوت إني لست أسمعه

وقال للزوج: فاقرأ دون تشفيةٍ
قراءة المرء يرجو الأمرَ ينفعه

وقال للكل: حُكمي سوف أعلنه
في جلسةٍ ها هنا يوماً سأصدعه

فأقبلا بعد شهر في بُلهنيةٍ
وبسمة الحب تُزجي الأمن تزرعه

قالا: إلى رُشدنا عُدنا ، فكن رؤفاً
عاد الوفاقُ صَدوقُ الحب يُرجعه

مناسبة القصيدة

(يروي أحد القضاة عن قضية طلاق بين زوجين ، والزوجة هي من طلبت الطلاق. يقول القاضي: في الجلسه الأولى أجلت القضيه ، لأجل بعيدٍ ، كي أترك مجالاً للصلح بينهما. فاجتمعت الخصومة في الجلسة القادمة ، يقول القاضي: فسألتهم إذا كانا قد تراجعا عن الطلاق فأكد الطرفان بالاستمرار الدعوى بوجوب الطلاق. قال فأجلت الجلسة ، وهما في قمة الانزعاج يريدان إنهاء حياتهما الزوجية. يقول القاضي: برغم تذمرهم أجلتُ الجلسة لمرات عدة. ثم عقدت جلسة ، واتفقت معهما أن كل واحد منهما سوف نعطيه ورقة وقلماً ليكتب عشر إيجابيات في الآخر ، بشرط أن تكون الكتابة بصدق وحيدةٍ وموضوعية. فوافقا على الفور. فطلبت من الرجل أن يجلس على كرسي وطاولة ، وأن يذكر عشر حسنات في زوجته ، فقط حسنات؟ يقول: قلتُ لهما لن أقرأ ما ستكتبان أيها الزوجان ، إنما التي سوف تقرؤه زوجتك. كل منكما هو الذي سوف يقرأ ما كتب الآخرُ فيه. فاكتب بصدق أيها الزوج ودون خجل. وبعد انتهاء الزوج من الكتابة ، طلبت من الزوجة أن تقرأ في سرها النقاط العشر التي كتبها زوجها. فبدأت الزوجة في القراءة ، وتنظر في وجه زوجها بعد قراءة كل نقطة كتبها ، فإذا مجموع النظرات عشرة وبدأت الابتسامة ترتسم على وجهها ، وبدأت تزداد الابتسامة ألقاً. وراحت تشرد في عينيّ زوجها. تارة تلقي نظره جريئة ، وتارة تنظر نظرة خجل وترمي ببصرها غضاً لقدميه ، والزوج دائم النظر والصمت ، والابتسامه مستدامة ، ثم جاء دور الزوجة. فطلبتُ منها أن تكتب هي الأخرة عشر حسنات في زوجها. فكتبت الحسنات العشر ، طلبتُ من الزوج أن يقرأ هو الآخر ما كتبته فيه زوجته. فبدأ الزوج يقرأ ويبتسم ، ويمعن النظر في زوجته ، وهي تارة تنظر في عينيه وتارات في الأرض. يقول القاضي: ولم يكن سواي وسواهما في القاعة ، فخرجت لدقيقتين ، ولما عدت سمعت همساً يعاتب حباً ، وكنتُ قد طلبت منهما عدم التكلم معي وأن يخرجا سوياً في صمتٍ مُطبق. وطلبتُ منهما أن يغيرا نمط حياتهما ولو ساعة. فقلتُ: (يا حبذا لو ذهبتما لتناول طعام الغداء في مطعم عائلي مستور محشوم محترم) ، وغدا تعودان في السابعة صباحاً لتكون جلستكما هي الأولى ، وفيها ننطق بالحكم النهائي الذي لا استئناف بعده ولا نقض له ولا إبرام. نعم أنا سأنطق بالحكم الذي تريدانه وهو الطلاق على رغبتكما واتفاقكما فوافقا معاً. وخرجا وعادا من الغد يَداهما متعانقتان وعلتِ الوجهين الابتسامة. فقلت لهما: هل أثبت الطلاق الذي اتفقنا عليه أمس وأنطق به حكاً نهائياً؟ قالا: (لا ، لقد عدنا لبعضنا يا قاضينا بالأمس ، وانتهت كل المشاكل بيننا ، بما استعدناه من الحب الذي بيننا). يقول القاضي: وإلى الآن لا أعلم لا أنا ولا أنتم ماذا كتبا. ولكنني كشاعر أعلم جيداً كم نحن بحاجةٍ ماسةٍ لمثل هذا القاضي ولمثل هذه القامات التي لا تنظر إلى مراكزها ، على أنها مناصب تعلو بها على البشر ، وترفع أنوفها تكبراً وتجبراً ، دون أن تُغلب الجانب الإنساني في نصوص المواد والأحكام الشرعية ونور الشريعة الربانية التي يحكمون بها بين الأزواج في محاكمهم الشرعية ، تلك التي قامت موادها واشتقت من الكتاب -كتاب الله - والسنة - سنة رسول الله -.)
© 2024 - موقع الشعر