عواد باع أرضه! - أحمد علي سليمان

لم يُفرِّط في أرضِهِ عوادُ
إنما الأرضُ اغتالها الأوغادُ

لم يبعها طوعاً كما أوهمونا
بأغان تجتالها الأوراد

كم حَماها ، ثم افتداها بنفس
والأهالي قبلَ العِدا أشهاد

كم تحَدَّى الأعداءَ دون اكتراثٍ
لم يُهدِّد تصميمَه الإرعاد

في (كفور النجم) الحقيقة بانتْ
ما طوتْها الفوضى ولا الأجناد

يا (عَنانيْ) أبليت خيرَ بلاءٍ
بعده شادتْ بالبلا الأمجاد

و(البرنسُ) بالإثم باء انتقاماً
ثم أمسى يدعو عليه العِباد

أعلنَ الحربَ مُستغِلاً نفوذا
ولديه الأسيافُ والأفراد

أعلنوها إخراجَ (عوادِ) جبراً
دون حق حَلا لهم الاضطهاد

ثم جاؤوا لهم عَتادٌ وبأسٌ
فانبرى ليثاً في الوغى عواد

قال: كلا ، لن تُخرجوني بتاتاً
صَونُ أرضي يا معتدون جهاد

فاخرجوا منها يا خزايا ، وكُفوا
عن تعدٍّ كم كابدتْه البلاد

كم فجرتُم ، ولن يَدومَ فجورٌ
ثم أفسدتُم ، واستطالَ الفساد

فاحتوتْ (عواداً) صُنوفُ الرزايا
غاب فيها السرورُ والإرغاد

إنه سَجنُ الحر بَغياً وعَدْواً
فيه حُلتْ عن كَفه الأصفاد

ثم سِيقتْ حُرية بعد أسر
أين أرضي يا أيها الجلاد؟

لاجئاً للقضاء ينشُد عدلاً
لم يُمِله الإرغاءُ والإزباد

لكنِ الخصمُ كان نذلاً وَضِيعاً
لم يَفتْه التضييقُ والإرصاد

أصدرَ الخِبُّ للدَّهاقين أمراً
واستجابَ للأمر جُندٌ شِداد

أسلِموا (عواداً) لأقسى حِمام
كي يزولَ عني الجوى والسُّهاد

عشرة كانوا ، والبنادقُ شتى
ليس فيهم شُمٌّ ولا أجواد

أسلَموه للموت طوعاً ، وكرهاً
والحقوقُ يوم التنادي تُعاد

مناسبة القصيدة

(إنها الرواية الحقيقية للمثل السائر وللحكاية المعروفة: "عواد وأرضه". نثبت فيها أن عواداً لم يبع أرضه ولم يُفرِّط فيها. نعم لم يبعها ، ولكنه ظل متمسكاً بها إلى أن مات دفاعاً عنها. لكن من غصبوا الأرض وقتلوا صاحبها ما اكتفوا بهاتين الجريمتين ، بل زادوا الجريمتين جريمة ثالثة ، ألا وهي التغطية على الإجرام بتحويل المأساة إلى ملهاة. وذلك بتحويل عوادٍ المخلص المجاهد إلى خائن باع أرضه وتنازل عنها فأصبحتْ بذلك بقايا الحياء بقايا عُهر وسَفالة. وزاد حباتِ الطين بلة تصديقُ الأجيال أن عوَّاداً فعلاً باع الأرض. يقول مطلع الأغنية الملعونة المشهورة: (عواد باع أرضه يا ولاد .. شوفوا طوله وعرضه يا ولاد ..) لتحكي عن قصةٍ حقيقية لشخص تخلى عن أرضه وباعها ، لكن حقيقة الأوبريت عكس ذلك ، فهو لم يتخلَّ عن أرضه ولم يبعها مقابل المال ، بل دافع عن أرضه حتى الموت غدرًا ، وتعود قصتها إلى العصر الماوماوي في قرية كفور نجم بمحافظة الشرقية عام 1946م ، وكان أبطالها الفلاح عناني أحمد عواد والبرنس محمد علي. حينها عرض مفتش الدائرة 8 فدادين للإيجار مقابل خلو رجل ، وتقدم عواد ودفع 160 جنيهاً واستأجر الفدادين ، وطبعاً هذا مبلغ كبير جداً من المال في ذلك العهد. ولكن تغير المفتش وجاء مفتشٌ آخر ، وطمع في الفدادين ، ورغب في استردادها من الفلاح بكل بساطة. لكن عواداً فعل ما لم يُتوقع وقال : "خد الأرض لكن أعطني الـ 160 جنيه التي دفعتها للمفتش الذي كان قبلك ، وحينها تعجب المفتش الجديد من جرأة الفلاح ، واعتبرها تحدياً له وللبرنس محمد علي ، ومن هنا بدأت الأزمة. فقرر المفتش إرسال خفراء لإخراج عواد من الأرض بالقوة ، ولكن الفلاح وقف لهم قائلاً: "سأقابل القوة بالقوة ، ولن تمروا إلا على جثتي". ولم يتمكن الخفراء من التقرب منه بسبب طوله وعرضه ، لأنه كان صاحب بنية قوية فقد آتاه الله تعالى بسطة في الجسم والعزة. وبعد مرور أيام قليل حُبسَ عواد ، وأثناء سجنه ظلماً تسلم المفتش الأرض التي عجز عن الحصول عليها بخفرائه ، وبعد خروج عواد من السجن رفع قضية على الأمير محمد علي ، وقال إنه لن يرفعها على المفتش أو الوكيل لأنهما ليسوا أكثر من "دلاديل". وخلال تلك الفترة كان عواد تحت المراقبة ، وضروري أن يقضي كل لياليه في النقطة أو المخفر ، وفي إحدى الليالي قبل الفجر قالوا له: اخرج يا عواد ، فقال لهم: لماذا؟ ليردوا عليه: لا بد من أن ننظف المكان ، هناك تفتيش غداً. وبالفعل خرج عواد ، وفوجئ بـ 10 رجال كل واحد منهم يحمل بنادق مختلف بعضها عن بعض ، واضطر لمواجهة القتل وهو أعزل للدفاع عن نفسه ، ولكنه لم يتمكن أمام الغلبة والسلاح ، وسقطًا ميتًا غدراً في سبيل أرضه. واغتُصبتِ الأرض وقتل في سبيلها (عواد) ، ونيل منه حياً بسلب أرضه ، كما نيلَ منه ميتاً باتهامه ببيع أرضه والتنازل عنها. ومن بجاحة من اغتصبوا الأرض وقتلوا صاحبها ، أن يتهموه بالخيانة والتفريط في أرضه ، معلنين ذلك بأسلوب مستفز فج في صورة أغنية يتداولها الناس ليحتقروا عواداً وقد أصبح رمزاً للخيانة.)
© 2024 - موقع الشعر