سارق مال أبيه! - أحمد علي سليمان

تصُونُ الأمانة أهلَ الوفا
وتغمُرُهم بالرضا والصَّفا

ومَن بالأمانة لم يَتصفْ
تضاءلَ بين الورى ، واختفى

وتُرْدِي الخِيانة أصحابَها
ومِن شُؤمهم حذرَ المُصطفى

وتحيا الدِّيارُ بمَن أخلصوا
ويُصبحُ إخلاصُهم زُخرُفا

وتُخزي الخيانة داراً غفتْ
كذا الجيلُ يَسقط إما غفا

ويُورثُها الغدرُ كلَّ الشقا
وتُمسِي به بَلقعاً صَفصفا

وسارقُ مال أبيه مَضَتْ
كرامتُه إذ غدا مُجحِفا

وكم بالعمالة يَشقى الحِمى
ويشكو لنا حاله المُؤسفا

يَبيعُ الديارَ لأعدائها
خؤونٌ تمَرَّقَ منه الوفا

وتبكي الديارُ الألى حافظوا
عليها ، وتلعَنُ مُستنكفا

تعمَّدَ نهبَ أبيه ضُحىً
وبَرَّرَ ما جاء ، واستشرفا

وأعلمَه الأهلُ مَعروفَهم
فكابرَ في التوِّ أن يَعرفا

ويوماً يُلاقى العقابَ الذي
يُقابلُ باطله المُقرفا

وتُشجي الحقائقُ مَن رامها
ولن يُدرك الحق أدنى خفا

ويكتشفُ الناسُ تحريفه
ويُظهَرُ ما دسَّ أو حرَّفا

ولن يستمرَّ خِداعُ الورى
خِداعاً عليه الزمانُ عفى

يُسَجِّلُ تاريخه هزله
وما شط فيه وما أتلفا

ويَمتحنُ الدهرُ أعماله
ويُثبتُ ما ذمَّه أو نفى

وسُنة ربِّ السماء قضتْ
بأن يَظهر الحق مستشرفا

مناسبة القصيدة

(مثل الخائن لوطنه كمثل السارق من مال أبيه ليطعم. ليست كلمتي ، ولم يقلها عربي ولا مسلم مثلي. إن هذا الخائن لوطنه يشبه حقيقة السارق من مال أبيه ، من أجل أن يطعم اللصوص ، فلا أبوه يسامحه على سرقته ، ولا اللصوص يشكرونه على إطعامهم أما قائل الكلمة الحكيمة فهو (نابليون بونابرت) فما المناسبة ولم قالها؟ هذا نجده في كتاب التاريخ والتراجم. اجتاح نابليون أوروبا ، ووصلت جيوشه إلى حدود النمسا في عام 1809م ، ولكن الجيش النمساوي هزمه في معركة أسبرن. وهنا ازداد شعور نابليون بالانكسار نتيجة خسارته في معركة أسبرن ، فطلب من ضباطه أن تكون المعركة استخبارية ، وبدأ ضباطه يبحثون عن جاسوس نمساوي يساعدهم على الدخول إلى النمسا من خلال نقطة ضعف في الجيش ، وبعد جهدٍ جهيدٍ وسعي حثيث ، عثروا على رجل نمساوي كان يعمل مهربًا بين الحدود ، واتفقوا معه على مبلغ من المال إذا هم استفادوا من معلوماته ، فدلهم الخائن على منطقة جبلية يوجد فيها جيش نمساوي قديم لكون المنطقة شبه مستعصية. وبالفعل ، تمكن الجيش الفرنسي من اقتحام المنطقة واحتلالها ، وبعد أن استقر الوضع لفرنسا ، جاء الخائن النمساوي لمقابلة نابليون بونابرت ، فأدخلوه على الإمبراطور في خيمته التي اتخذها قريباً من المعسكر ، وكان جالسًا في قاعة كبيرة داخل الخيمة ، وما أن رأى نابليون ذلك الجاسوس النمساوي ، حتى رمى له بقبضة من النقود في صُرة على الأرض ليأخذها ثمن خيانته وجزاء أتعابه. فقال الجاسوس: سيدي العظيم ، يشرفني أن أصافح قائدًا عظيمًا مثلك. فرد عليه نابليون: أما أنا فلا يشرفني أن أصافح خائنًا لوطنه مثلك. وانصرف الجاسوس ، وبصق عليه نابليون من وراء ظهره. وكان كبار القادة جالسين عنده ، وتعجبوا من تعامل نابليون مع الجاسوس ، على الرغم من أهمية الأخبار التي نقلها لهم ، وكانت سببًا في انتصارهم. وسألوه عن السبب ، فأجاب نابليون بعبارةٍ من أروع عبارات التاريخ الحديث عن الخائن والخيانة. ماذا قال؟ قال: (مثل الخائن لوطنه كمثل السارق من مال أبيه ليطعم اللصوص ، فلا أبوه يسامحه ، ولا اللصوص يشكرونه). هذه العبارة تلخص واقع الكثيرين اليوم ممن يخدمون الأعادي ، أو ينسقون معهم ويخونون أمانة حملهم الله – تعالى - إياها ، وأرضاً يعيشون فوقهم ، وقوماً ينتمون إليهم. فإلى كل الخائنين للأمانة أنشدتُ من شعري هذه القصيدة ، لتكون بشيراً لكل مَن يصونون الأمانة ، وتكون نذيراً لكل من يخونون الأمانة.)
© 2024 - موقع الشعر