حرامي بالوكالة! - أحمد علي سليمان

أراك مِن المواعظ ما اتعظتا
ومِن زُبَد التجارب ما اعتبرتا

ولم تأخذ دروساً مِن حياةٍ
يُفِيدُك درسُها إمَّا درستا

ولم تسألْ لتكتشف الخفايا
فليتك قد سألت إذا جهلتا

حياتُك كلها لعِبٌ ولهوٌ
فليتك في عِبادتك اجتهدتا

أضعت العُمر في قِيل وقال
وعِشت تسومُنا عَجْناً ولتا

ويُعْلي الجدُّ صاحبَه ، فيسمو
ولو أدركت جَدَّك ما هزلتا

سلكت إلى الملاعب كل درب
فليتك ما شغفت بما سلكتا

كم استفززت في سِر وجَهر
والاستفزازُ ضاقَ بما سلكتا

كم استعديت حولك مِن أناس
فما نصروك لمًّا أن هُزمتا

وعنك انفضَّ قومٌ ، فاستراحوا
ووحدي لم أعبْك بما أتيتا

وفيك وثِقتُ مُحتفلاً بخِلي
وأنت بأي خِلٍّ ما وثقتا

وأمرُك رغم شِدته مُطاعٌ
كأنك بالعدالة قد أمرتا

ونهيك أنتهى عنه احتراما
كأنك عن ضلال قد نهيتا

ومِن ثِقتي ائتمنتُك مُستعيناً
برب الناس أقدُرُ ما بذلتا

وأرسلت النقودَ أريدُ داراً
ومالي بعد إرسالي استلمتا

فهل صُنت النقودَ وكنت عَفاً
وأحسنت التصرُّفَ واستشرتا؟

وهل أعملت فِكرَك في اتباعي
ونفذت الشروط وما اقترحتا؟

وآذتْني النتائجُ مُؤسِفاتٍ
لأنك بالأوامر ما التزمتا

فقد بدَّدت أموالي اعتباطاً
وعمداً بالحقائق ما اعترفتا

وأشركت (الحرامِيَ) مُستهيناً
بحُرمة ما أتيت وما فعلتا

فصِرت كمثله في شرِّ حُكْم
ولستُ أنا الذي في الوضع أفتى

ولكنْ حُكمُ شرع مستبين
فهل عوجاً وجدت به وأمتا؟

مَن ائتمنَ الخؤونَ غدا خؤوناً
فهل يوماً جهلت مَن ائتمنتا؟

أما أخبرت عن تدليس لص؟
وأنت بما الغدارُ دَلسَ قد خبرتا

أما خان الأمانة يوم غالى
وقال: البيتُ مِلكي ، فانفعلتا؟

وثِقت به ، وأنت به عليمٌ
وغلبْت العواطفَ ، فانتكستا

فهل في اللص إحسانُ النوايا؟
ولمتُك أنْ فعلت فما اعتذرتا

إلى أن جاءني الدَّورُ المُواتِي
وربُّ الناس يعلمُ ما صنعتا

عَذرتُك طالما دهراً طويلاً
لعلك تستحي مما اقترفتا

ألا إني اشتكيتُك يا جهولاً
لرَبٍّ عالم ماذا اجترحتا

مناسبة القصيدة

(الأصل في المعاملات بين الناس أن تكون قائمة على الصدق والأمانة والصراحة والنزاهة والشفافية بمعنى أن زيداً لو قصد عمْراً في شراء سلعةٍ ما ، أو جهاز ما ، أو أرض ما ، أو عقار ما ، أن يقوم الثاني بالشراء للأول ، ثم يُسَلم للشاري عقدَ الشراء أو فاتورته أو شهادة الضمان إبراءً للذمة وإنفاذاً للحق. وإذا أرسلَ زيدٌ لعمْر مالاً لإنجاز مهمةٍ ما أو بناء عقار ما أو لتسديد دَين ما ، فإن على عمْر أن يَصونَ المال ، ولا يُوَكِّل في البناء أو الإنجاز أو التسديد رجلاً آخر إلا بإذن صاحب المال ، أو على الأقل يكون الذي وكل إليه أي شيء من هذا صادقاً وأميناً ، يشهد الناس له بذلك عن علم ومعاملةٍ وتجربة. أما أن يقوم عمْر بتوكيل سارق على التحقيق وخائن للأمانة بكل ما تعنيه الكلمة وغادر لا يشك في غدره وعديم الصدق بالمرة ، فيعتبر عمْر سارقاً بالوكالة وغادراً بالوكالة وخائناً بالوكالة. ذلك بأنه ارتضى وكيلاً عنه لصاً خائناً غادراً ، قامت الأدلة والقرائن والبراهين على غشه وتدليسه وسرقته مع سبق الإصرار والترصد. وعندما يُراجع في ذلك ، فبدلاً من أن يستغفر الله ، ويسترجع ، ويحولق ، ويحوقل ، ويستسمح صاحب المال ، ويطلب منه العفو وعدم المؤاخذة ، إذا به يُكابر ويُصِر مستكبراً كأنه قد ضمن عند الله تعالى البراءة الكلية المطلقة. ولا والله ، بل هو حرامي بالوكالة.)
© 2024 - موقع الشعر