أن تصيبوا قوماً بجهالة! - أحمد علي سليمان

يُفِيدُ التبَيُّنُ مَن يَدَّكِرْ
ويُفلِحُ في الناس مَن يَعتبِرْ

فكم مِن ظنون أبادتْ قرىً
فزايلَ عُمرانُها والبشر

وذِي قِصة تستثيرُ الحِجا
وفيها لبيبُ الورى يَفتكر

فقد عاد من (شغله) عائلٌ
وعاينَ في البيت ما لا يسُر

رأى زوجَهُ تزدري أخته
وتضربُها ، فاحتواه الضجر

وتكوي بألفاظها سُمعة
يَضِيقُ بها السمعُ بعد البصر

ولم يسأل الزوجَ: ماذا جنتْ
ولم يكُ في حُكمه المصطبر

ولكن تسَرَّعَ فيما ارتأى
وحَكَّمَ إحساسَه المستعر

وقادتْه عاطفة أضرِمتْ
ويُنصِفُ لو كان يدري الخبر

فأمسكَ بالزوج مستجمعاً
قوَى كَفه ، ثم لف الشعَر

وجَرَّ الحليلة ، لم يَرتفِقْ
وغصَّ بتهويله المعتكر

ولم يلتمسْ أيَّ عُذر لها
وغلّبَ في الحُكم سَمْت الغجر

وطابَ لزوج حِمى أهلها
لتمحوَ ما نالها مِن كدر

وقبل الرحيل له استأذنتْ
فوافقَ زوجٌ ، ولم يعتذر

وأرضى الأخية مستبشراً
فقد أرجعَ الحق ، فليبتشر

وعند المساء أتتْ أمُّهُ
تُسائلُ عن زوجه في حذر

فأخبرها الابنُ مستنكراً
فقد فاجأتْه بشيءٍ نُكُر

وضاقت عجوزٌ بصُنع ابنها
ومالتْ إلى الصفع ، لم تدَّكر

وقالت: تهوَّرت ، لم تعتدل
وجاوزت في الظلم حَدَّ الخطر

أصبت بجهلك مَن جاهدتْ
لتُخمِدَ ناراً هنا تستعر

حريقٌ تضرَّمُ يُودي بنا
وهذا الحريقُ ابتدا بالشرر

فهلا تساءلت عن فعلها؟
لقد يُفصِحُ السؤلُ عمَّا استتر

ألا إن أختك في غيِّها
تُخادنُ محبوبَها المحتقر

وتلقاه في صبحها والمسا
وقد تعتدي فتزيدُ المِرر

هداديك كنْ منصفاً راشداً
وظني كُسُورُك لن تنجبر

أنا للتثبت أرسلتُها
لترقب أختاً بها نفتخر

ولكن غوتْ ، واستكانتْ لمن
بها – دون وعي لديها - مكر

وناولها العشقُ كأسَ الهوى
وقلبي بما قد جَنتْه انفطر

أتتركُ حبلاً على غارب
فماذا تُؤمِّلُ أو تنتظر؟

أترضى بما مارستْ مِن خَنا؟
أراك إلى صحوةٍ تفتقر

أفقْ مِن ظنونك يا عابثاً
وحاذرْ - لنفسك - أن تنتصر

وراقبْ بنفسك حتى ترى
صنيعَ الأخية خلف الستر

فلمَّا تأكدَ لاكَ الشقا
ولقنَ (قيساً) دروسَ العُمُر

وأعطاه مِن ضربه حِصة
تُفِيقُ مِن السُّكْر غِراً سَكِر

فعاد إلى رُشده ساذجٌ
وأدرك عُقبى الغواية غِر

وعاد ب (ليلى) إلى دارها
ومازال يضربُ حتى فتر

وجدَّ المسيرَ إلى زوجه
يسوقُ لها العُذرَ عمَّا بدر

فقالت بهمس: أنا لم أبُح
لأهلي وقومي بما هو سِر

ولكنني سُقتُ تبريرة
وعللتُ ما قلتُه بالسفر

فسلمْ عليهم ، وكن حاذراً
ولا تُفش أسرارَنا يا عُمر

حنانيك نارُ الخلاف انطفت
وزالتْ مع النار ريحُ الغِيَر

وإما رجعنا إلى بيتنا
فقل ما بدا لك ، واقض الوطر

وعاد الجميعُ ، ولم ينشروا
شِجاراً يُدَمِّرُ إمَّا نُشِر

وأدرك زوجٌ صُوى قِصةٍ
تعابيرُها سَطعتْ كالدُّرر

تقول: التبَيُّنُ منهاجُنا
وتركُ التبَيُّن حُمقٌ وشَر

تعالى المهيمنُ مَن سَنه
وبيَّنَ فحواه خيرُ البشر

مناسبة القصيدة

(يُحكى أن رجلاً يُدعى (عُمَر) كان مصاباً بالصُّرَعة وعدم التروي ، كان قد عاد من العمل باكراً ، وعندما دخل الى المنزل رأى زوجته تضرب أختة. فلم يحتمل. بل اشتعل غضباً. وفوراً قام بصفع زوجته ، وأمسك بشعرها وجرها لداخل غرفتها؟ فجمعت الزوجة ملابسها في عُجالةٍ وهي تبكي ، وأخذت طفلتها ، واستأذنتْ زوجها وذهبت إلى شقة أبيها التي كانت في البناية ذاتها. وراح الزوج يُقبل رأس أخته ويعتذر لها. ولم يسأل عن سبب الشجار الذي دار بينها وبين زوجته ثم هدأ وتوضأ وصلى ركعتين ، واستلقى على سريره ، ونام لساعتين ، وكأن لم يحدث شيئاً؟ وفي المساء عادت أمه التي كانت قد ذهبت لزيارة ابنتها الأخرى. فسألت الأم عن زوجة أبنها فأخبرها ابنها بما حدث؟ فصاحت الأم العجوز ، وقامت بصفع ابنها وقالت: ماذا فعلت أيها الغبي. فأجاب غاضباً؟ لن أسمح لها بأن تضرب أختي ، لقد أغضبني تصرفها المتوحش ، ولا أريد أن أراها في منزلي مرة أخرى؟ فقالت الأم: وهل تعرف عن السبب. أجاب: لا حاجة لمعرفة السبب ، لقد كان كل شيئ واضحاً أمامي؟ فقالت الأم: وأين هي أختك الآن يا عبقري؟ فأجاب: لقد أخبرتني أنها تريد الذهاب إلى غرفتها لتستريح. فسمحت لها بالذهاب ثم ذهبت للنوم. فقالت الأم: أتحداك إن كانت في غرفتها أو في البيت أصلاً إن أختك لن تعود ، لقد هربت يا غبي ، وهذا بسببك. وهنا انصدم الزوج؟ فقال: ماذا تقصدين يا أمي بأنها هربت؟ فأجابت: إن أختك تواعد شاباً في مكان كذا (وحددتِ المكان لابنها) ، وعندما كشفتْها زوجتك قررتِ الهروب مع الشاب. وكنتُ كل يوم أدع زوجتك تراقبها عندما أخرج من المنزل ، وقلت لها إذا حاولت الهروب من المنزل قومي بحبسها واذا اضطررت إلى ضربها فاضربيها. كل هذا من أجل الحفاظ على سمعة العائلة. ولكن ماذا فعلت أنت؟ لقد ساعدتها على الهروب يا أحمق. إنها على يقين أن أمرها سينكشف إن آجلاً أو عاجلاً. أخبرني الآن هل أنت سعيد؟ فغضب الرجل وذهب يبحث عن أخته مبتدئاً بالعنوان الذي ذكرته أمه. وبعد ساعات وجدتها مع شاب في أحد المطاعم في المكان ذاته ، وفوراً قام بضرب الشاب حتى كاد أن يموت بين يديه. ثم أخذ أخته وعاد بها إلى المنزل. وأبرحها ضرباً شديداً. ثم قالت له أمه: اذهب وأرجع زوجتك ، ولا تأت بدونها. فذهب الزوج إل شقة صهره ، وطرق الباب ، فقامت زوجته بفتح الباب ، وعندما رأت أنه زوجها عمر ، قامت بمعانقته ثم همست في أذنه قائلة: يا عمر ، أنا لم أخبر أهلي بأنك ضربتني ، بل أخبرتُهم بأنك سوف تسافر يومين وستعود. إنهم لا يعرفون شيئاً عن الموضوع فكن حذراً؟ وهنا شعر الزوج بالحزن ، وبالكاد منع دموع من التدفق ، ثم قال: "لقد تأجل السفر يا عزيزتي ، وأني لا أطيق المنزل بدونك". وأخذ زوجتة وطفلته وعاد بهما إلى المنزل ، وقام بالاعتذار لها ، ثم وعدها بأنه لن يرفع يده عليها مهما حدث. فكتبت في هذا الشأن أقول:)
© 2024 - موقع الشعر