لا عِطر بعد عَروس! - أحمد علي سليمان

لِكَرب (أسماءَ) تبكي الخُرَّدُ الغِيدُ
وهل يعودُ بدمع العين مَفقودُ؟

أبَّنتُ نفسي ، وقد شط البلاءُ بها
وما لعبدٍ بدنيا الله تخليدُ

عَروسُ كُنتَ لي الدنيا وزخرفها
في كل يوم لنا في بيتنا عِيد

إن غيَّبَ القبرُ جُثماناً ، فصُورتُه
أمام عينيَ ، والجُثمانُ مَرصود

النورُ بعدك في هذي الدنا ظلَمٌ
والسعدُ بعدك يا(عروسُ) موؤود

والناسُ بعدك أفرادٌ أعاشرُهم
وليس في عِشرتي للقوم تغريد

مِن أين ألمَسُ تغريداً ومَسْعدة
والعيشُ فارقه بالرغم غِرِّيد؟

وما حَلَتْ عِيشة مِن بعد فرقته
والقلبُ مِن شَوقه للإلف مفؤود

لولا نسائمُ مِن ذكراه باقية
لهدَّني ألمٌ يَكوي ، وتنهيد

أسماءُ مِن بعدكم يا سيدي عَدَمٌ
يبكي على ضنكها الغِلمانُ والغِيد

مُزركشُ الثوب جافاني الظهورُ به
والقلبُ مِن أثر المأساة جُلمود

والعَينُ مِن كثرة البكاء قد ذبُلتْ
ولن يُعيدَ لها اليُنوعَ تثميد

والعِطرُ زايله شذاه معتذراً
أولى به بائعاتُ الحُسن ، والخود

لمن أعطرُ جسماً رُوحُه سُلِبتْ؟
ولن يعودَ ، فأمرُ الفقد مَشهود

لا عِطرَ بعد عَروس يجتني شجني
كم بالتفول زهتْ أياميَ السُّود

قِنينة العطر ذي عليَّ قد حَرُمَتْ
ولي على تركها عَزمٌ وتأكيد

تركْتُها فوق قبر الزوج عن رغب
حتى تُذكِّرَه ، فالأمرُ مقصود

أعيشُ تجرحُني الذكرى صباحَ مَسا
وللجراح دمٌ ، وليس تضميد

والطيفُ يقتلني بدون مَرحمةٍ
فهل يُخففه شِعرٌ وتقصيد؟

وللأحاسيس وَجدٌ لا يُفارقني
وكم يُثِيرُ هوى المحبوب توجيد

وللعواطف ترجيعٌ أذوبُ له
عِشقاً ، ويُطربُني طولٌ وتمديد

وكم أردِّدُ من أقواله زُبَداً
أواه كم يُلهبُ الشعورَ ترديد

عَروسُ مُنَّ على الوَجْعى ورِقَّ لها
فكم يُعذبُها شوقٌ وتسهيد

ما كنت يوماً على (أسما) بمُفتئتٍ
كما يُعَنفها في العيش رِعْدِيد

عليك رحمة ربِّ الناس ما يَنعتْ
زهورُ رَوض تملى عِطرَها الصِّيد

مناسبة القصيدة

(يُروى أن فتاة اسمها أسماء بنت عبد الله ، أحبها رجلٌ يدعى عروس حبًا شديدًا ، وتزوجها فكان يدللها وينفق عليها فيما تحب ، ويشتري لها كل ما تراه عينها ، حتى أنها كانت تشعر بالسعادة الغامرة لحب عروس لها ، ولكن شاء الله تعالى أن يتوفى عروس ، ويترك هذه الحسناء التي حزنت لفراقه حزنًا شديدًا ، وبعد فترةٍ زوّجها أهلها من رجل آخر اسمه نوفل الذي كان يملك كل الصفات الذميمة ، وعلى الرغم من أن حبها لابن عمها مازال في قلبها ، إلا أنها قبلت الزواج إرضاءً لأهلها ، وفي بيت زوجها الجديد نوفل لم تر تلك المرأة أي نوع من السعادة مطلقًا. وفي أحد الأيام أراد نوفل أن يذهب بزوجه إلى أهله حتى تبتعد أسماء عن كل ما يذكرها بهذا المكان ، فوافقت على شرط أن تذهب لقبر عروس تودعه ، فوافق زوجها لعله يستريح من هذه الذكرى للأبد. وقفت أسماء على قبر عروس ، ورثته وبكت بكاء شديدًا ، وقبل أن تنهض تركت عطرها على قبره ، فأشار زوجها إلى قارورة العطر كي تحملها ، فرفضت وقالت مقولتها: لا عطر بعد عروس. ففي الحب ، كلنا نعرف أن هناك أشياء في هذه الحياة لا تتكرر ، فنحن لا يمكننا استعادة الإحساس ذاته الذي شعرنا به عندما التقينا بحُب حياتنا أول مرة ، أو استعادة تلك اللهفة الغامرة التي استولت على أرواحنا بمجرد أن التقينا ومن هنا تأثرت بما أحست به (عروس) العاشقة الوفية. فأنشدت هذه القصيدة ، وأعطيتها العنوان الذي قالته رداً على تذكيرها بقنينة العطر لتحملها. وكأنها تقول ما قيمة العطر بعد (عروس). وكأنها تتخيل عروساً سوف يخرج من قبره ليشتم هذه الرائحة التي تذكره بحبيبته.)
© 2024 - موقع الشعر