بدعية المولد النبوي! - أحمد علي سليمان

يا أيها البِدْعيُّ بدعتُك الحَرونُ أمُجُّها ، وتُريبُني
في موكب الأجيال تقتحِمُ المَدى ، وتُضِلهم ، وتعِيبُني

أني دحضتُ بسُنتي تغريرَها ، أفدِي الشريعة بالدم
وعذوبة البرهان والتدليل خطتْ باليراع الأكرم

وجهرتُ بالحق المُبين ، ونبضُ قلبي في المَعامع يَزفرُ
وجوارحي مدفوعة ، ونتائجُ التنظير عينيَ تنظر

وأقولُ: يا بدعيُّ ما أوتِيت قلباً للحقيقة طيعا
حتى تعود إلى معين الحق تستفتي الهُدى والمنبعا

لمَّا عزفتَ عن الكتاب وسُنةٍ ، ألفيتَ دربَك في الدُّجى
وأنا كشفتُ الحق لم أكتُمْ ، ولم أكُ حاذراً متحرِّجا

جَندتُ طاقاتي ، وصغتُ أدلتي ، وشحذتُ كل خواطري
وصَقلتُ نية ثائر مستعففٍ ، فصفتْ جميعُ سرائري

لا ينصرُ الحق الشريفَ إذا أهينَ مُخذلٌ أو صامتُ
بل عُدة النصر المُؤزر في معاركه اليقينُ الثابت

ماذا يُقدِّمُ في مواجهة العِدا أهلُ النفوس الخائرة؟
وكما نرى الأعداءَ لاذوا في الوقائع بالحكايا الساحرة

قالوا: سنطعِمُ في الموالد جائعين ، فنارُنا لا تخمدُ
وسنسهرُ الليلَ الطويلَ نقوتُهم ، فجُموعُنا لا ترقد

والأرضُ تشهدُ والمساجدُ والموالدُ والأزقة والرمالْ
في محفل تهوى العيونُ بهاءه ، ويُذِيعُ ألوان الجمال

بالرقص نُحْيي مولداً ، وبكل أصناف الغناء المؤتلقْ
وبكل أطياف الغلو بكل لفظٍ في المُوَشح مختلق

نصِفُ الرسولَ بما به اتصفَ المهيمن ربنا البر الرحيمْ
نُطري ونمدحُ بالقريض المصطفى وبكل ترنيم رخيم

وهناك قومٌ يلعبون قِمارَهم ، ما منهمُ متحرِّجُ
والفائز الدهقان منتصرٌ ، ويُعلنها ولا يتلجلج

وهناك ألعابٌ بدتْ نارية نيرانُها مِثلُ الشواظ
أصحابُها في لِعْبهم قومٌ جَلاوذة دهاقِنة غِلاظ

وتضيعُ في ألعابهم صلواتُهم ، وكذا أساطينُ المَلا
إن الموالد صارفاتٌ عن مَرابعنا المصائبَ والبلا

وترى النسا متبرجاتٍ مُعلناتٍ ميلهن إلى الهوى
جئن اختلاطاً لا سبيل لوصفه ، والجيلُ بالفوضى اكتوى

بدعٌ ترُوجُ وتُشتهى وتضمُّ ألوان التبذل والغلو
كم أطمعتْ فينا بما تحوي من الجهل الأبالسَ والعدوْ

كم أخرتْ جيلاً بما ألفى بها ، فإذا به يتوقحُ
لم ينتصرْ يوماً على شهواته ، بل تائهاً يتأرجح

يا أيها البدعيُّ أقصِرْ إذ رأيتُك مِن ضلالك لا تُفيقْ
السُّنة الغرِّاءُ مَدَّتْ كفها دوماً لتنتشل الغريقْ

وأراك تُمعِنُ يا مُغالط في التذبذب أعجبتْك الفذلكة
وأجدت ألوان الخداع بلا اكتراثٍ ، واحتوتك الصعلكة

أبلغتُك الحق المبين فما ارعويت مفضلاً رأيي السديدْ
ولعبت دَورَك لا هياً مترنحاً تأوي إلى هزل العبيد

ونصحتُ لم أتركْك دون نصيحةٍ ، فقرعت للنصح الطبولْ
ونصيحتي لم تلق في قلب المغالط والمناويء مِن قبول

أجري على ربي العليم بنيتي ، وإليه عاقبة الأمورْ
أبصرتُ رُشديَ ، والجهولُ على عَمَىً يحيا فأنى يستنير؟

مناسبة القصيدة

(لمكانة الرسول صلى الله عليه وسلم في نفوس المسلمين جميعاً قدرٌ عظيم ، فهم يحبونه ويوقرونه ويعظمونه أكثر من أهليهم وأولادهم بل حتى من أنفسهم. لكن هذا الحب لا بد أن يقترن بمتابعةٍ لسنته عليه أزكى الصلاة وأتم التسليم ، كما قال الحق سبحانه وتعالى: "قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم". ومن المعروف عندنا معاشر المسلمين أنه لا يوجد شخص قد أحب نبينا صلى الله عليه وسلم ، مثل: حب أصحابه الكرام رضوان الله عليهم له ، وقصصهم في التفاني في حبه معروفة مدونة في كتب السنة والسيرة ، حتى كان الواحد منهم إذا تذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو جالس بين أهله وأولاده يتركهم ثم يأتي رسول الله صلى الله عليه وسلم شوقاً إليه. فالقول بأن الاحتفال بالمولد بدعة منكرة قولٌ صائب ، وذلك لأنه لم يثبت عن نبينا صلى الله عليه وسلم أنه احتفل بيوم مولده ، ولا عن الصحابة ، ولا عن التابعين ، مع أن سبب الاحتفال بالمولد موجود ، ومع ذلك لم يفعلوه ولم يفعله من بعدهم من التابعين لهم بإحسان ، ولو كان في مثل هذه الاحتفالات خير لفعله الصحابة ، ولأمر به النبي صلى الله عليه وسلم ، فدل هذا على أن هذه الاحتفالات ليست بمشروعة ، وأنها من الأمور المحدثة ، وأول من أحدثها هم الفاطميون في القرن السادس الهجري عند ظهور الدولة الفاطمية. (العبيديون) وقد كانت تصرفاتهم مشبوهة ، ومن العلماء من أخرجهم من الملة ، ولا شك في ضلالهم وبعدهم عن منهج السلف الصالح ، نسأل الله العافية والثبات على السنة والبعد عن البدعة ، فقد ثبت في صحيح مسلم من حديث عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد). وإذن فإحياء المولد النبوي بدعة. والآن لنطالع هذه الأرجوزة الشعرية التي عنوانها: (بدعية الاحتفال بالمولد النبوي). عسى الله أن تؤدي دور النصيحة. وكنتُ قد صغتُها على البحر الكامل (نمط السطر الشعري ، كلوم من أنماط التجديد والتنويع.)
© 2024 - موقع الشعر