دينارٌ واحدٌ يكفيني! - أحمد علي سليمان

إن الدينارَ سيكفيني
وابني عن رَغَم يأتيني

هذا شرطي ، وبه أرضى
لا شييءَ سِواه سيُرضِيني

ورفعتُ الدعوى مُقتنعاً
ودرستُ أساسَ المَضمون

وسؤالُ القاضي أحرجني
إذ طعن القلبَ بسكين

وطرحتُ مُبرِّرَ تعقيبي
أسِفاً بالدمع المقرون

يسبقني عزمٌ ممتحنٌ
لأب يُعلي شأن الدين

وأسائلُ ولدي عن رَغَب
إذ تاهتْ كل عناويني

وَصْلي أوَليس شريعتنا
وعُقوقي ليس بمسنون؟

ولدي ، ماذا تعرفُ عني
عن حالي البائس وشؤوني؟

هل تعرفُ ماذا ينقصُني
لتُجامل ترجو تسكيني؟

هل تعرفُ عن وجعي شيئاً
لتكف عقوقاً يكويني؟

هل تعرفُ ماذا يُسعدُني؟
هل تعرفُ ماذا يُشقيني؟

أنا محتاجٌ بعضَ نقودٍ
لأحصِّلَ حِصة تمويني

دينارٌ شهرياً يأتي
هذا الدينارُ سيكفيني

لكن مِن كفك يا ولدي
لأراك ، فتنشرحُ عيوني

وأسَرُّ سُروراً يجعلني
أزري ببلائي وشجوني

أتملى مِن طلعة ولدي
ومُحَيَّا يَذهبُ بحُزوني

كم كنتُ أحب زيارته
برضىً ، لا نصَّ قوانين

وعليه فلن أدعوَ ربي
فيُجيب دعاءَ المَحزون

رباهُ فأصلحْ لي ولدي
والأمرُ بكافٍ والنون

مناسبة القصيدة

(دخل رجل عجوز إلى المحكمة ليقدم شكواه ، فقال القاضي: شكواك ضد من؟ فقال العجوز: ضد ابني فلان! فنظر القاضي إلى من معه من القضاة مستغرباً كلام العجوز ، وسأله وما هي شكواك بالضبط؟ قال العجوز: إنني أطلب من ولدي مصروفاً شهرياً حسب استطاعته! فقال القاضي: وهذا من حقك على ابنك دون نقاش أو جدال. فقال الأب العجوز: يا حضرة القاضي ، رغم أني غني وغير محتاج إلى المال إطلاقاً ، إلا أنني أريد أن أخذ مصروفاً شهرياً من ابني! فاستغرب القاضي كثيراً ، وتعاطف مع الموقف ، وأخذ بيانات الابن واسمه وعنوان سكنه وأمر بإحضاره على الفور! فجيئ به ، واجتمع الابن بأبيه أمام المحكمة! وعندها توجهَ القاضي للابن سائلاً: هل هذا أبوك؟ قال: نعم سيدي القاضي ، إنه والدي! فقال له القاضي: هل تعلم أن أباك تقدم بشكوى ضدك يطالبك بمرتب شهري وبمبلغ زهيدٍ حسب قدرتك؟! قال الابن مستغرباً كيف يطلب مني مصروفاً وهو يملك الكثير ولا يحتاج نقود أحد؟! فقال القاضي: هذا طلب أبيك ، وهو حر فيما يطلب. فقال الأب العجوز: يا سعادة القاضي ، لو حكمتم لي بدينار واحدٍ في كل شهر سأكون سعيداً وهذا الدينتر يكفيني ، ولكن بشرط واحد! فقال القاضي: وما هو شرطك؟! فقال الأب: أن أقبضه من يده في أول كل شهر دون تأخير! فقال القاضي: نعم سيكون لك ذلك بكل تأكيد ، وأضمن لك تحقيق ذلك! فدعا الأب للقاضي بالصحة والتوفيق! وهنا أصدر القاضي حكمه على الابن قائلاً: حكمت المحكمة على فلان بإعطاء أبيه مصروفاً شهرياً وقدره دينارٌ واحدٌ فقط ، حسب رغبة الأب دون انقطاع ، على أن يكون هذا المصروف مدى الحياة ، على أن يُسَلم المبلغ من يد الابن ليد الأب مباشرة ، دون وجود أي وسيطٍ بينهما! وقبل أن يترك الأب والابن قاعة المرافعة ، قال القاضي للأب أماماإبنه: اسمح لي أن أسألك: لماذا فعلت ذلك ، وشكوت ابنك ، وطلبت مبلغاً زهيداً جداً ، رغم إنك غني ، ولست بحاجةٍ للمال؟ قال العجوز وهو يبكي بمرارة: يا سيدي القاضي ، إني أشتاق لرؤية ابني هذا ، وقد أخذته مشاغله الكثيرة مني ، ولا أراه أبداً ، رغم أن قلبي متعلقٌ به تعلقاً شديداً ، فهو لا يُكلمني حتى على الهاتف ، ولأجل أن أراه تقدمتُ بهذه الشكوى مكتفياً بلقاءٍ واحدٍ كل شهر ، فانهار القاضي ومن معه من البكاء والوجع ، وقال للأب: والله لو تكلمت بالسبب الحقيقي منذ البداية ، لأمرت بحبسه وجلده أيضاً! فقال الأب العجوز وهو يبتسم يا سعادة القاضي: وهذا الحكم سيؤلم قلبي أيضاً!
© 2024 - موقع الشعر