أمنيات فات أوانها! - أحمد علي سليمان

كم أمانٍ في مَشهد التيه لاحتْ
واشتكتْ مِن أصحابها واستجارتْ

هل يعيشُ شهمٌ على أمنياتٍ
دون بذل به العزائمُ قامت؟

إن نفساً تهوَى سرابَ التمني
دون سعي ، واللهِ ضَلتْ وخابت

تحتفي دوماً بالضياع ، وتهذي
وعلاماتُ الهزل في الدرب بانت

والترَدِّي عُقبى نفوس تدَنتْ
والمآسي بعد التدني استبانت

لم تكنْ تُعطي للسقوط احتمالاً
غرَّها العزمُ حين صالتْ وجالت

بعد ماذا كانت إفاقة زيدٍ
ليت نفساً مِن غيها ما أفاقت

لا تعودُ ذكرى إذا ما توَلتْ
هل تعودُ الأضواءُ إما تلاشت؟

كل درب حوى طيوفاً تُناجي
قلبَ مُشتاق إذ تهادتْ وغابت

كيف ينسى الإنسانُ أعذبَ ذِكرى
كان يهوَى مُرورَها يومَ طابت؟

في زوايا العُمر المُودِّع أنَّتْ
والأنينُ مما تُعانيهِ صامِت

في الفؤاد لها اشتياقٌ يُسَلي
مَن دعاها للعَود لمَّا استحالت

هل بهذا التذكير أي اعتبار
بعدما الحالُ للترهل آلت؟

لو تعودُ الذكرى بمال أعِيدَتْ
والعيونُ إمَّا رأتْها استكانت

كم تحِنُّ نفسي لذكرى تمَضَّتْ
بُعدُها يَكوي ، والعذاباتُ طالت

مناسبة القصيدة

(ممرضة استرالية قامت بتأليف كتاب بعنوان: (أكثر خمسة أشياء نندم عليها عندما نكبر). يتضمن الكتاب ملخصًا: تم سؤال العديد من كبار السن قبل وفاتهم عن أبرز الأشياء التي ندموا على فعلها (أو عدم فعلها) لو عادوا إلى سن الشباب. فكان الملاحظ وجود خمس رغبات اشترك في ذكرها معظم كبار السن وهن: أولًا: تمنيت لو كانت لديّ الشجاعة لأعيش لنفسي ولا أعيش الحياة التي يتوقعها أو يريدها مني الآخرون. فقد عبّر معظمهم عن ندمه على إرضاء الغير (كرؤسائهم في العمل) أو الظهور بمظهر يُرضي المجتمع أو من يعيشون حولهم. ثانيًا: تمنيت لو أنني خصصت وقتًا أطول لعائلتي وأصدقائي بدلًا من إضاعة العمر كله في روتين العمل المجهد. ثالثًا: تمنيت لو كانت لديّ الشجاعة لأعبّر عن مشاعري بصراحةٍ ووضوح. فالكثيرون كتموا مشاعرهم لأسباب مثل تجنّب مصادمة الآخرين ، أو التضحية لأجل أناس لا يستحقون. رابعًا: تمنيت لو بقيت على اتصال مع أصدقائي القدامى أو تجديد صداقتي معهم ، فالأصدقاء القدامى يختلفون عن بقية الأصدقاء كوننا نشعر معهم بالسعادة ونسترجع معهم ذكريات الطفولة الجميلة. ولكننا للأسف نبتعد عنهم في مرحلة العمل وبناء العائلة حتى نفقدهم نهائياً أو نسمع بوفاتهم فجأة. وخامساً وأخيرًا: تمنيت لو أنني أدركت مبكراً المعنى الحقيقي للسعادة ، فمعظمنا لا يدرك إلا متأخرًا أن السعادة كانت حالة ذهنية لا ترتبط بالمال أو المنصب أو الشهرة. إن السعادة كانت اختيارًا يمكن نيله بجهد أقل وتكلفة أبسط ، ولكننا نبقى متمسكين بالأفكار التقليدية حول تحقيقها! يقول الله تعالى: (وَأَنذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ الْأَمْرُ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ وَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ"! حقاً إنه يوم لا ترى فيه إلا الصمت الرهيب ، والكبت الرعيب ، والخشوع المهيب الذي لا يتخلله كلام ، ولا يقطعه اعتذار فاليوم يوم العقاب لا يوم العتاب! سماه الله تعالى يوم الآزفة ، ويوم التناد ، ويوم الفصل ، ويوم النشور ، ويوم الدين ، ويوم البعث ، ويوم الحساب ، لكن الاسم الذي يزلزل القلوب ويورث الفزع ويهزّ المشاعر هو أن ذلك اليوم هو يوم الحسرة! يأمر الله نبيه وكل ورثته من الدعاة والواعظين أن ينذروا الناس ذلك اليوم الذي تتقطع فيه قلوب الغافلين حسرات ويكثر فيه الندم والزفرات. إنه يوم حسرة على الكافرين والظالمين والمعرضين حينما يبدو لهم من الله مالم يكونوا يحتسبون. إنه يوم الحسرة والندامة)!
© 2024 - موقع الشعر