إدانة وإهانة وإبانة! - أحمد علي سليمان

غمَزتُ لِحَبكة الشِّعر اليَراعا
فناولني – من التبيان - باعا

ولقنني من التحذير درساً
يُجَنبني المَذلة والضَّياعا

وناصَحَني بأن أحيا طليقاً
وإنْ عانيتُ في العيش الصِّراعا

يَمينَ الله لا يَرضى بذل
أبيٌ نفسَه لله باعا

وكيف يعيشُ مبتئساً حزيناً
يُكابدُ الانكسارَ والاختضاعا؟

وهذا العيشُ مَدٌ بعد جَزر
كمثل البحر يَمتحِنُ الشراعا

وكل الناس يَلحقهم بلاءٌ
تُقسَّمُ بينهم صاعاً فصاعا

فعبدٌ صاعُه في كسْب قوتٍ
فمدُّ الكف يَخترمُ الذراعا

وعبدٌ صاعُه في ابن غضوب
يُناوله التذمُّرُ الاندفاعا

ويَسقيه العقوقُ كؤوسَ قهر
ويُفلحُ لو تعقلَ أو أطاعا

وعبدٌ صاعُه في البنت تعصي
وتكرَهُ الاجتهادَ والاطلاعا

وتتخذ السفورَ لها سبيلاً
كأن السترَ ما اشتُرعَ اشتراعا

ولا ترعَى أوامرَ مَن يُرَبي
وخطبُ عُقوقها العاتي تداعى

وعبدٌ صاعُه نسَبٌ وَضِيعٌ
فأصهارٌعليه غدَوا سِباعا

به انتفعوا ، وما شكروا جميلاً
ويُزْكي الشكرُ بَذلاً وانتفاعا

وعبدٌ صاعُه جيرانُ سُوءٍ
غدَوا في سُوء جيرتهم ضِباعا

فما حفظوا الجوار ولا التآخي
على كيل الأذى اجتمعوا اجتماعا

وعبدٌ صاعُه مُدَراءُ كادوا
وإنْ أمَروا غدا أمراً مُطاعا

كأنَّ موظفاً ورثوه عبداً
يُطيعُهمُ ، ويُبدِي الاقتناعا

وعبدٌ صاعُه زوجٌ تأبَّتْ
عليهِ ، وصَمتُه أمسى دِفاعا

تعِيبُ عليه في سِر وجهر
وباتتْ في النسا الأخزى طِباعا

وكيف تعِيبُ زوجاً دون حق
وتخترعُ الفِرى عنه اختراعا؟

وكيف تُدينُه في كل شأن
وتلقى من أقاربها استماعا؟

وكيف تنالُ منه وتزدريهِ
ومِن ألفاظها التاعَ التياعا؟

وكيف تُذيعُ أسراراً وتُفشي؟
فأين الرُّشدُ إمَّا السِّرُّ ذاعا؟

وإنْ يغضبْ فنِقمتُها عِلاجٌ
ويُمسي الكلُّ إنْ كادتْ جياعا

وكيف تُهينُ زوجاً ذاب فيها
غراماً ، واسألوا عنه اليراعا

له فيها القصائدُ لا تُبارَى
وديواناً لها مُلكاً مُشاعا

تسمَّى باسمها حباً ووداً
وأحرى أن يُسمِّيَها لكاعا

وأدخلها به التاريخ فضلى
قصائدُها تجاوزتِ الرِّباعا

يُغنيها الأنامُ بكل صُقع
قريضاً شمسُه تُزجي الشعاعا

يُحاكي شِعرُه ما صاغ قيسٌ
وشِعرُ (القيس) عن (ليلاه) شاعا

يُحاكي (عنتراً) ، والشعر يسمو
ب (عبلة) ، والقريضُ غزا السماعا

فكيف تُحَوِّلُ المدحَ انتقاصاً
بتعيير قد اجتلبَ الوجاعا؟

وتجعلُ منه (بُهلولاً) تدنى
فإنْ يكُ مولدٌ حملَ القِصاعا

غدا أضحوكة بحِمى ذويها
وهم قومٌ يُجيدون الخداعا

إدانتُها له أمستْ سلاحاً
بكل يدٍ تُؤجِّجُ الاصطراعا

فما احترموهُ ، بل عابوهُ جهراً
وأسقط بالمُواجهة القِناعا

فعَرَّى الكل ، لم يستر عليهم
يزيدُ السترُ من هبطوا ارتفاعا

ولم يكُ ظالماً إذ قال فيهم
مقالاً بُعدُه اتسع اتساعا

فخصَّ بكل مُجترم قصيداً
يُناوله إذا قرأ الصُّداعا

وردَّ على إهانتها بعدل
فصاعُ المَكرَ كالَ له صُواعا

فليس يُحبُّ ربُّ الناس جهراً
بسوءٍ مَجَّ صاحبُه النزاعا

فإن ظلِمَ البريءُ ، وضاع حقٌ
ليَجهرْ ناشراً بالصاع صاعا

وأسفرتِ الإبانة عن لئام
قد احتاجتْ مكائدُهم شُجاعا

يردُّ على الأراذل ، لا يُبالي
سُفوحَ البَند جاز أم الطِلاعا

وينتزعُ الحقوقَ من الخزايا
فإن الحق يُنتزعُ انتزاعا

ولا يحتاجُ أمرُهُمُ الترَوِّي
فما الأمرُ استوى كالأمر ماعا

له حِيَلٌ ثلاثٌ في التلاحي
قد اتبعَ الهُدى فيها اتباعا

فأولاها القريضُ له شُواظ
لعل الهُزء يُقتلعُ اقتلاعا

وثانيها الدعاء على غِلاظٍ
غدا حلاً جميلاً مستطاعا

وثالثها انتظارُ لقاء رَبٍّ
يُعيدُ الحق مُذ ولى وضاعا

مناسبة القصيدة

(تأصلتْ عادة ذميمة في هذه الزوجة - موضوع قصيدتنا – حتى أدمنتها ، ألا وهي إدانة زوجها في كل قول أو فعل أو عمل! وتطور الأمرُ ، فتحولتِ الإدانة إلى إهانة ، وساعدَها على ذلك حِلمُ زوجها ومعاملتُها بالمعروف والصبرُ عليها! وزادتِ المبلة طيناً بإدخال أهلها الذين ليس عند أحدهم حِكمة ولا رُشد! وفي نهاية المطاف كانت ثافية الأثافي ألا وهي الإبانة عن زوجةٍ ناشز لا حل لنشوزها ولا علاج له ولا حِيلة تُجدي معها! فكتبتُ عنها هذه القصيدة مندداً بأخلاقها المنحطة السافلة ، وداعياً الله العلي القدير أن يهديها ، وطلبتُ من الزوج المسكين المبتلى أن يصبر ويحتسب ، لعل الله يهديها ويصلحها! ولا يطلقها لئلا يُبتلى بها أخ مسلم! وازدادتْ رُعونتُها للحد الذي جعلها تتأففُ من كل شيئ يتعلقُ بزوجها: كلامه وسلامه ، لِباسه ومِشيته ، مَظهره ومَخبره ، سِره وظاهره ، رائحته وتسريحة شعره ، قراراته وآراؤه وأفكاره! وراحتْ تُفشي من أسرار الرجل ما يُشينه أمام أولاده وأمام أهلها وأمام الضيوف والجيران! واستغلتْ شيخوخة الرجل وضعفه وهوانه وقِلة حِيلته وفقره الذي كان سبباً مباشراً فيها نظامُها المالي وتدخلُ أهلها وإعطاؤها الضوءَ الأخضرَ لهم ليتصرفوا في ماله كيف شاؤوا إلى أن أصبح فقيراً بينه وبين مَدِّ كَفه للناس ليأكل قليلُ مسافة ، لولا سترُ الله تعالى! فبانتْ حقيقتها أن بها رعونة تتوزعُ على قارة أفريقيا! فلم يعد لها في قلبه مكان ، ولم يعد لها في نفسه احترام ، فكرهها بقدر ما كان يحبها وربما أكثر! وكانت قد رحبتْ ببُعده عنها وافتراقه ، ورأتْ في ذلك فرحة تُسليها ، وكنتُ قريباً منهما ، وأعرف كثيراً عن حياتهما ، فكتبتُ هذه القصيدة بهذا العنوان القاسي نذيراً لها ، ولكل زوجةٍ راعنةٍ ناشر! عسى الله أن يأتي بالفتح أو بأمر من عنده!)
© 2024 - موقع الشعر