ذكرى و جراح

لـ حامد حسن معروف، ، في الرثاء، 2

ذكرى و جراح - حامد حسن معروف

عهدتُكَ تعشقُ الدُّنيا كفاحا
تخوضُ غمارها ساحاً ، فساحا
 
نذرتَ لها الشَّبابَ علی غناه
نذرتَ لها غدوَّكَ والرَّواحا
 
شراعٌ يقهرُ الأمواج َهُوجاً
ويطفئُها إذا عصفتْ ریاحا
 
وقلبُكَ للعُلى صابٍ لجوجٌ
فهل هدأ اللَّجوجُ أو استراحا ؟
 
شربتُ سُلافةَ الذكرى ، وقلبي
وحقِّك ما صحا .. لكنْ تصَاحى
 
حملتُ إليكَ من طرطوسَ ذكرى
وكانت في الشَّبابِ لنا مِراحا
 
ذكرتُكَ فوقَ شاطئِها فحنَّتْ
ورفَّ الرَّملُ ریحاناً وراحا
 
ولاحَ "وجيهُ محيِ الدِّينِ" فيها
وقد سدفَ الدُّجا قمراً لِياحا
 
وأوقدَ من عقيدته مناراً
و مدَّ إلى اقتناصِ النَّجمِ راحا
 
تعهَّدَ كبرياءَ المجدِ فينا
و فجَّر کلَّ جارحةٍ طماحا
 
ونشأنا علی خُلُقٍ تحدى
عنادَ الدَّهرِ، والقدرَ المُتاحا
 
ولو أن المقادر أمهلتهُ
وعاشَ ... لعبَّأَ الدُّنيا صَلاحا
 
وما خانَ "القضيَّةَ"، أو تجنَّى
علينا، غیرُ من ولدوا سفاحا
 
وثقنا في عهودهمْ فكانتْ
عهودُ القومِ فاجرةً وقاحَا
 
كذوبٌ منهمُ لاقی كذوباً
كما لاقى "مسيلمةٌ" "سجاحا"
 
کسوتَ جبينَ أكبرهم ضلالاً
جزاءَ الغدرِ خزياً وافتضاحا
 
أتذكرُ كيفَ غاضبنا "فُلانٌ"
وجاهرَ يستخفُّ بنا، ولاحی
 
تضاحكَ هازئا لمَّا شكونا
إليهِ ، و يحسُبُ الشَّكوى مزاحَا
 
وتمتلكُ العزيمةَ ، والقوافي
نسدِّدها بأضلعهِ رماحا
 
فما بكت السَّماءُ عليه لمَّا
هوى عرشُ الغرورِ بهِ فطاحا
 
عرفتُكَ تزحمُ الجلُّى أبيّاً
غداً في كلِّ مكرمةٍ ، وراحا
 
وعشتَ مع السِّياسةِ في خلافٍ
لأنَّكَ تعشقُ الحقَّ الصُّراحا !
 
ولوهانت ضمائرنا لأمسى
لنا ما نشتهي نهباً مُباحا !!
 
وهلْ يتهيَّبُ الغمراتِ حرٌّ
تقلَّدَ من عزيمتهِ سلاحا ؟؟
 
فديتُ النَّسرَ يقتحمُ الثُّريَّا
و يبسطُ فوقَ أنجمِها جَناحا
 
جلوتُكَ في الرُّؤى طيفاً ترامی
على جفنيَّ والكبدِ ارتياحا
 
ووجهكَ كالضُّحى ألقاً وأندَى
إذا أمسى ، وباکرَنا ، وضاحی
 
أرى خُصَلاً تنوسُ على جبينٍ
كأنَّ الفجرَ قلَّدهُ وشاحا
 
وطلعةَ أبلجِ القسماتِ ضاح ٍ
يُغازلُها النَّهارُ إذا تَضاحى
 
فؤادي إن ذكرتُ الأمسَ أغفی
على الذِّكرى ، وإنْ ناجاكَ ناحا
 
حنوتُ على ثراكَ وكلِّ فجرٍ
على جنباتِكَ العطراتِ لاحا
 
وغیَّبَ يوم غيَّبكَ الأماني
وأطفأ - يوم أطفأكَ - الصَّباحا
 
وعطَّرهُ نزيفُ جراحِ قلبي
لأن اللهَ باركها جراحا
 
لو انهلَّتْ على ظمأِ الصَّحارى
لأطلعتِ البنفسجَ والأقاحا
 
و صُغتُ لكَ الرِّثاءَ وكلُّ حرفٍ
سكبتُ بهِ حنيناً والتياحا
 
ويا لبنانُ في بردى مقيلٌ
من العثراتِ يُشفقُ أن تُباحا
 
حنا فوقَ الجراحِ على لظاها
و صيَّر من أباحكَ مُستباحا
 
لأنَّ على كتائبهِ " المثنّى "
وإن على أريكتهِ " صلاحا "
© 2024 - موقع الشعر