من القلب للقلب - أحمد علي سليمان

ضقتَ بالأوهام ، يا قلبي الورعْ
وابتسامُ الثغر غطتْه القنُعْ

واليراعُ العذابُ عانى ، واشتكى
من تعابيري ومن بأس الهلع

وقريضي مات في أشجانه
كيف يحيا في معاريض الهلع؟

أطلب الخلان ، لا ألقى سوى
شامتٍ ، أواه ما أقسى الوجع

أنشد السلوى بصحبي كلهم
وكأني في الصحاب المنخدع

بين كل الصحب ، كنتُ المبتغى
ثم أصبحتُ المُلام المبتدع

كان بيتي للرفاق الملتقى
ونظيرُ البيت هذا منقطع

حيث نتلو - تارة - قرآننا
ثم هَدْي المصطفي ، لا نبتدع

ليس للترفيه نتلو ، إنما
عاقدين العزم أنا نتبع

غير أن الصحب لمّا شاهدوا
سادنَ الشيطان والوغدَ اللكع

صدقوا فيّ الوشاة ، وبدا
شجبُهم ، يا للنفاق المُصطنع

ثم ها هم في البلاء افرنقعوا
واستحلوا غيبتي ، يا للنطع

إن هذا الظلم - عندي - كالردى
هل عدوٌ خلتي ، والمجتمع؟

إنني - في الناس - كنتُ خِلكم
إنني عن عونكم لم أمتنع

صدقوني: إنني أحببتكم
حب صدق ، ليس حب المنتفع

غير أن القلب عاتٍ جرحُه
ضاق بالأحباب من تلك الخِدع

كيف تُردي القلب أناتُ الجوى؟
كيف هذا القلبُ - في الناس – انختع؟

كيف لم يعرفْ صديقاً من عِدا؟
كيف غرته الزوايا والبيَع؟

ليس هذا الأمر عندي هيّنا
إنه صعبٌ على القلب الورِع

أيها القلب تصبرْ بالتقى
إن صبر المرء يُغني ، والوَرَع

إن نار الهجر تكوي ، والنوى
ثم إن القلب - فيها - يلتذع

فاكسر القيد الذي في مِعصمي
ثم فارقْ مَن على الذل انطبع

أنت قلبٌ مؤمنٌ مستبصرٌ
فاسمُ للعليا ، ولا تخش الفزع

واستفد يا قلب مما قد مضى
وارض بالمقسوم ، واسعدْ بالدفع

واسع للطاعات ، واسلك دربها
وانتق الأصحاب كيلا تندفع

عُد إلينا ، حاملاً عطر المُنى
فحبالُ الوهم باتت تنجزع

واعتزل مَن - في بلاياكَ - سعوْا
هؤلاء القوم من أشقى الشيَع

واترك الأوباشَ ، لا تحفل بهم
ضاع مَن قد يأمن القوم الدنع

وافتكر في أسرةٍ مسكينةٍ
دكّها - في مقتل - ضبٌ خدِع

باعها بيعَ الرقيق ، ما استحى
كيف بيعت - في الورى - بَيعَ السلع؟

ما لهذا السؤل ردٌ يا ترى؟
هكذا الأشرافُ في عُرف الزمع

كيف يُرمى - في البيادي - طفلنا؟
كيف تردي الحرّ أنيابُ الجشع؟

كيف ضاع الخيرُ في هذي الدنا؟
كيف يسري - في روابينا – القذع؟

كيف يسري -في نوايانا– الهوى؟
كيف للأوغاد قلبي يتسع؟

ليس للأنذال عندي خاطرٌ؟
كيف للأنذال عقلي يستمع؟

كيف صرنا -في البرايا– كالدمى؟
كيف يثري غزلَه فينا الزوع؟

أين دينُ الله منا ، والهُدى؟
كيف سادت بيننا ذاتُ الودع؟

آه ، ما أقسى قلوباً فسقتْ
كيف لينُ القلب منا يُنتزع؟

آهِ قد ضاع الإخاءُ المُرتجى
كيفَ تؤوينا وتفرينا المُتع؟

آهِ من سحر الخبيثِ السَّامريْ
كيف يُزْكي سُمَّه فينا الرَثَع؟

آهِ قد كنا نُضحّي للهُدى
كيفَ تُهنا في دهاليز البِدع؟

صاحِ قد كُنا لُيُوثاً في اللقا
كيف عادَ القهقرى صَوتُ البِدع؟

صاح قد كُنا فِداءً للحمى
كيف نُورُ الحَق مِنا يُقتلع؟

صاح عانى القلبُ من فرط الأسى
كيف عَبر الضَّيم تنهد القلع؟

هل حَلاَلٌ أن يُرى فينا الجفا؟
كيف يُؤذي الرُّوحَ إعصارُ القَفَع؟

هل خُدِعنا في شخوص كالدُمى؟
كيف حامى عن مخازيه الضَبُع؟

هل أُكِلنا ، ثم زالت دولة؟
كيفَ مُتنا تحت أنياب الكشع؟

أم قَبِلنا العيش في نار الشَّقا؟
كيف في الأوهام يطوينا الجَزع؟

كيف يَحيَا المرءُ في هذا الدجى؟
كيف - بَعد السِّلم - يندكُّ اليفع؟

لا تسَلنِي يا قليبي ، إنني
لَيسَ لي - وسط الخزايا - مُنتجع

لاحقتني في الدُّروب نارُهم
وأنا المِسكينُ ذُو القلب الوَجِع

ثُم أحلامُ الشَّباب انسدلتْ
شَمسُ آمالي خبتْ لَم تنصلع

كُبِّلت - عَبرَ الدُّجُّنّ - فرحتي
والحنايا شجَّها النَّذلُ البَشع

والأحاسيسُ استكانتْ للظى
وفْقَ ما تهوى لَهَا أُمّ الجذع

لستُ أدري- في الخطوب - حوبتي
ثم قلبي كيفَ أضناهُ البذع؟

مُنذُ تاب لم يَكُن مستخزياً
إنه للحَقِّ نِعمَ المُتبع

كم بِقيعان الضلالات هوى
لَم يَكُن بالمُستكين المُنخرع

كيفَ - في الإسلام - يَغدو خائراً
يَحتسي الأسقام بالفمّ الدمع؟

كيف يا قلبي تردُّ راحتي
بقليل؟ أنتَ للجوعى الشِبع

إنني بالدمعِ ، أحكي صَرختي
ثم لم ينصتْ لها القَومُ الشُجُع

لَكِنِ الشُّجعان ماتوا كلُّهُم
ما تبقى غيرُ أقوام خُنُع

يا قُليبي ، لا تدعني ماثلاً
إن بأسي يحرقُ الوغدَ الدَنع

كُنتَ للآمال أندى روضةٍ
ثمَّ أنت - اليَومَ - قفرٌ من مُلُع

تنشد الأشرافَ لا تلقى سوى
حفنة الضُلال في هذي الضيَع

تبتغي في النار ظلاً وارفاً
هل بما ترجوه أنت المقتنع؟

أم تريد العيش سهلاً هيناً؟
هل تسير الفلكُ من غير الشرُع؟

جُع ، وأجمل يا فؤادي في الورى
كيفَ يحلو العيشُ من غير التقع؟

يا فؤادي ، إنك المَقتُول في
هذه الدُّنيا ، ولست تَرتَدع

إن هذا العَيبَ فيكَ مُثلة
فاقتل الأوهام ، حتى ينقشع

وارق للعلياءِ ، زدني دَفعةً
آهِ ، ما أحلى المراقي والدُفع

أنتَ - في الأغيار - قلبٌ ثابتٌ
كنت صلداً ، لستَ بالقلب القشع

وأراك الآن تهجو لهجتي
بلسان - في التشاكي- ينصمع

فلتعُد للرُّشد قَلبي ، والمُنى
إن في الشريان يَهتاجِ القَلَع

وليَر الأعداء مِني صولةً
إن تيار الدُّعا لن ينقطع

ولتَمُت في قاع جَوفي آهتي
حيثُ يأتي في جنى الصَّمت الفَنَع

خابَ من قد رامَ خيراً في العِدا
إنهم عون الشياطينِ التَّبع

إن تَسَلني عن شياطين الدُنا
تلقَ مِني لَعَنهم ، لا ينبتع

ثم إنَّ القلب من أفعالهم
بات يدعُو الله بالدمع الضرع

ربِّ خُذهم ، والجنودَ والمَلا
إن زرعَ الظُلم - في الدنيا - يَفَع

© 2024 - موقع الشعر