أُمّي

لـ حسن الجزائري، ، في الرثاء، 10

أُمّي - حسن الجزائري

أعطَتني مِنْ دَمِها جَمالَ صَبابَتي
مُستَأجِراً في دارِها بِعُجالَتي

كَمْ كُنتُ فَظًّا لا أُطيقُ ديارها
وَرَحَلتُ حتّى ما دَفَعتُ إِجارَتي

حتّى دَخَلتُ بِركبِ دَهرٍ خِلتُهُ
جَعَلَ الشَّبابَ مُشَيَّباً بسُلالتي

قد كانَ ذاكَ الشَّيبُ يُكمِلُ حُسنَها
بيضُ الرّؤوسِ وسودها بِعَباءَةِ

يا مَنْ مَلكتِ العَطفَ حينَ أَردتُهُ
وَمَلكْتِ قلبي مُذ هوى بِسَعادةِ

فَلَكَمْ أُرَدِّدُ في مَسامِعِ مُهجَتي
(قولي أُحِبُّكَ كي تَزيدَ وسامَتي)

أَلفيتُها في الدّارِ تَترُكُ ظِلَّها
وأَبوحُ لِلظِّلِّ الحَزينِ تعاسَتي

في الأَمس تَحضُنُني وَتَسكُبُ عَطفَها
واليومَ تَحتَضِنُ الثَّرى بِجَراءَةِ

قَد دارتِ الدُّنيا وَصِرتُ مُوَسِّداً
وَأَهزُّ نَعشَكِ مُذ هَزَزتِ وسادتي

كَمْ كُنتُ أَأمُلُ إِذ تَحلّ مَنيَّتي
أُمّي تَطوفُ بِدَمعِها بِجَنازَتي

وَأَرى تُلَملِمُ كَفَّها نَحو السَّما
لِتَقولَ خُذْ يا ربِّ تِلكَ أَمانَتي

فالطِّفلُ طِفلٌ والرِّجالُ صِغارُهُم
ما دامَ يَخفِقُ ذِكرُها بِحَفاوةِ

قُلْ لِلدِّيارِ بِأَنْ تُخَفِّضَ صوتَها
فالطِفلُ ماتَ وَلَنْ تَحلَّ ولادَتي

© 2024 - موقع الشعر