اعتراف

لـ علي بن الساسي كرامتي، ، في غير مصنف، 17، آخر تحديث

اعتراف - علي بن الساسي كرامتي

*** اعتراف ***
***
ألم تقولي يوما:"
يهتزّ القلم في يدي، تتوق ريشته إلى خدّ الورقة فكأنّه يهمّ بها معانقا و كأنّ الكَلِمَ في صدري صوت الموسيقى... أسير على درب الكلمة الرّقيقة و الحرف الصّادق محتفلا بطقوس الهوى، لأُرسّخ على الورق لحظات عابرة من حياتي... في شعاب اللّغة وإقليميّة الكلمة أرحل باحثة عن درب يؤدّي إلى مناطق الحبّ في وجدانكَ
أكتب و ما كنت لأكتب لولا أنّ الكتابة هي الجسر الوحيد الّذي يحملني إلى مُدُن الانتصار، كان لا بدّ أن أكتب و أُريقَ لُعاب القلم كي أجعل من كلّ المناطق الصّامتة فيكَ مهدا لأحزاني و أفراحي، لكي تتفتّق همساتي، كان لا بدّ أن أكتب و أنثر حروفي حتّى ترتوي لحظاتي المتعطّشة للكتابة و البوح و الحبّ و كي أتوغّل في مناطق الوفاء الأبديّ و لا جواز سفر لي سوى حبّي... حتّى أختلس من الزّمن فسحة للفرح و أنا المثخن قلبي حزنا... لولا هذا الحِبر الذي نسكب معه آلامنا و نصهر بزئبقه عذابنا و لولا هذا الورق الذي نفترشه لندرأ به أتعابنا و ندفع به أشجاننا لَمُتْنا حسرةً و انكسارا
سأكتب، لأنّنا عندما نكتب فإنّنا نبني مدينة فاضلة شريعتها الحبّ و الانتصار
فأين هذا الآن ؟ إذن دعيني أنا الّذي أكتب:
:
سأكتب لا لأغيّر أيّ قرار تَخَذْتِ
و لكنْ لكي لا أموت بصمتي
سأكتب لا لأؤَثّر فيك
و لكن لأُخرج ما قد تعفّن في داخلي من مشاعر
و أكنس حبّك من خافقي
سأكتب حتّى أقول أحبّك
و ما كنت آمل أن تعشقيني
أقول أحبّك كي أستريح
فحبّك عبء من الهمّ، وزر من الألََمِ المرّ يجثم في داخلي
سأكتب عَلِّي بلفظ الكلام المسمّم حبّا
أقيء مماتي
لعلّي بشرح حنيني
أداوي جنوني
سأكتب حتّى أقول :"
لعينين أرحب من قبّة الأفْق في يوم صحو
أسير على الشّوق متعبةً من هزيع الحنين خُطاي
أسير بقلب تعَرّىٍ من الصّبر في رحلة الحبّ و الاشتياق
لعينين ترتحلان مدى الطّيف في ملكوت الخيال
كما يرحل السّندباد
لعينين يمّمتُ أرضهما فوجدت السّماء
تعانق من شوقها الأرض حدّ التّوحّد
لعينين ذائبتين صفاء
و موغلتين غموضا
أهُبُّ من الحبّ موجا يعانقه الصّخر في يوم ريح
لماذا تحاصرني النّار يسكنني الاضطراب ،
إذا ما التقينا ؟
و تهطل فيّ رياح الحنين ،
إذا ما افترقنا .
لماذا يضيق الوجود أمام عيوني
إذا غبت عنّي.
و حين أراك، يصير الوجود رحيبا... رحيبا
ألا تعرفين لحالي معنى ؟
ألا تعرفين لعينيك معنى ؟"
* * *
و حين يبعثرني الوقت في كلّ صوب
و حين يعانقني الحزن من كلّ صوب
و يغدو شعوريَ فاكهة للعذاب
و أرقص من وجعي ..
مثلما يرقص الغصن من وجع بين زخّ الرياح
و يسقط مثل الفراشة في النّار قلبي
و يحترق الكون في داخلي
أنادي عليك ،
فيغدو رحيلي قرارا
و خوفي أمانا و بحر عذابي مرفأ أمْن
و يغدو صراخيَ لحنا شجيّا
أسمّيك منزلةً بين منزلتين
و أعْبُرُ من فُرْجة فتحَتْهَا لقلبي يداك
و أمضي إلى جنّة وعدتْنِي بها مقلتاك
و مملكة تتوسّد ظلّ الخلود
تعانق أغنية الماء و السّنديان الضحوك
أشقّ طريقي إلى موجة ..
قد أطلّتْ على خافقي من كُوى ناظريك
و أهمس من فتنتي و جنوني
أقول سلاما على الأقحوان المسافر في وجنتيك
و للاّزَوَرْدِ المرابط في مقلتيك
سلاما على رقصة الحسن في كلّ شيء
يطالعني فيك.. زهرا و عطرا و نورا
و حين أرى الفرحة البكر ترقص في مقلتيك
و أسمع رقرقة الضحك العذب..
لحنا جميلا توقّعه شفتاك
أحسّ بأنّ الوجود بخير
أنّي أحبّك أكثر
* * *
سأكتب حتّى أقول :
وداعا لما كان منّي
وداعا لما سيكون
وداعا لقلب أطوّقه بالأماني
أعانقه بشعوري
بشدوي بترجيع نايي و عَذْب لحوني
فيرجمني بالسّكون
وداعا لقلب يصافحني البرد في لمسات يديه
و إنّي المَذُوب بنار حنيني إليه
فما أعظم الفرق بين الكلام و بين السكون !
و ما أعظم الفرق بين اللهيب و بين البرود !
كبير هو الفرق بيني و بينك
و ليس بوسعيَ ذرْع مساحة هذي الفوارق
و لكنّني قادر أن أقول
بأنّا نحبّ و نكره، نلهو و نضحك كالنّاس..
لكنّني لا أحسّ ككلّ البشر
و أنت تحسّين مثل جميع البشر
أنا أتنفّس شمسَ المساء قصيدا
فماذا ترين من الشّمس غير خيوط من الضوء ..
أو شعلة تتكسّر في حدقات الفضاء
أنا أبصر الشّفق الأرجوانيّ تاجا من الجلّنار
يورّد خدّ السّماء
و ماذا ترين من الشّفق الأرجوانيّ..
غير بحار من الدّم تعلن نصر الظّلام على أقحوان النهار
أنا أبصر الحسن في كلّ شيء أراه
وبين عيونك و بين الجمال ستار يسمّى العمى
وداعا لما كان أو سيكون
وداعا لما لن يكون
وداعا لإحساسنا الهشّ بالأمنيات
قتلتِ بقلبيَ كلّ شعور
وأَدْتِ بروحيَ كلّ حنين
و إنّي الّذي طالما قد حلمتُ
بخطّ حروف هواك على سنوات حياتي
على بسمة الشّمس بالنّور كلّ صباح
على خلجات النّجوم بصدر اللّيالي
على ضحكة الماء بين شفاه الجداول
تمنّيت رسمك في كلّ شيء جميل أراه
و قد كنت ألقاك في كلّ شيء جميل أمامي
أقول وداعا
فما عاد لي قمر في سماء هواك و لا أنجم
و ما عاد حبّي رجاء لقلبك
به يحلم
أنا الآن أضغاث ذكرى
و أسمال ماض تولّى حزينا حزينا
فما عاد يطرب قلبَك حبّي
و ما عاد في وتري من رنين
أقول وداعا لمن كانت الأمل المشتهى
و كانت ربيعي الّذي لا يفوت
و كانت بداية عمر الهوى
في حياتيَ و المنتهى
و كانت غرامي الّذي لن يموت
وداعا لما لم نقله من الكلمات
و ما لم نعشه من الحبّ و الشوق و الأمنيات
وداعا لحبّ أتانا و لم ندر كيف أتانا
و غادرنا مثخنا بالسكوت
* * *
عشقتك. هذا صحيح
و لكنّني لا أحبّ هوًى يتكرّر
من امرأة مثل جميع النّساء
أنا ما عشقتك إلاّ لأنّك أنت
و ما كان شيء كمثلك بين الورود و لا في النّساء
و لكنّ حبّيَ خاب
و طار الحمام عن البرج قبل ابتداء الربيع
و مرّ الربيع و لم تتفتّح شقائق عينيك .. مرّ الربيع
و لم تَتَزَيَّ الطبيعة بالعشب في زمن الاخضرار
و مرّ القطار الأخير
وأنت وراء رصيف المحطّة تنتظرين قطارا جديدا
فظلّي هناك و ما من قطار
يُقلُّ رجاءك، يجمع ما قد تبعثر ..
من أمنياتك بين يديك شظايا
فما من حبيب سوايا
يحبّك مثلي و يأتي إليك بسرب النجوم هدايا...
© 2024 - موقع الشعر