أمشىالجأ إلى الرصيف بعد منتصف الليل،أو بعد منتصفالزمن، مدفوعا صوب اللاغاية،وهاربا من ثرثرةالمعنى حول اليقين والمطلق :يقينية الكلمة والفكرة،ومطلقية القيم والإنسان .أتساءل عن دوافع قرار الهروب من المعنى وعلة ارتمائيبأحضان الرصيف، فأدرك بأن الغايه هي التياتخذت القرار،وأدرك ان لقائي بالرصيف كان من دون غاية أو قصدية .فهل بمثل هذه الصدفة وجد العالم ؟أمشي على الرصيف ساهما،وبشئ من اللذة وكأن ليمع الرصيف علاقة خفية لايعرفها سوى الليل .فالرصيف،وطن أعزل يحتضن غايات المارة السرية والعلنية،ويلهم الأقدام رغبة التسكع .الرصيف،كتف الشارع الذي يحمل آهات الجوعى والمنبوذين،وكلمات الرائحين والغادين .بينما الليل،ملجأ مجانين الشك والسؤال ،والهاربين من أخلاق النهار،والباحثين عن الغاية والمعنى .فلجوئي إلى الرصيف والليل، ليس طارئا، وإنما لأننيأنتمي إليه منذ القدم .أواصل السير في الطرقات الفارغة ألا من خيمة الصمت،واهب الفضاء أغنياتي الذائبة كذوبان العمر،فترتد أليٌ كزهور بعمر الزهور :آه أيها الطائر،كنت كمغن يصدح صوته الجميل،لجمهور لا يود الاستماع إليه .كصرخة مدوية في صحراء فارغة .كشمس ترسل نورها لعالم يحب الليل فقط .لا تحزن ياطائري الوحيد،فأنا مازلت أراك واقفاعلى تلك الشجرة المشرقةأمام نافذتي،على الرغم من رحيلك عنهامنذ زمن طويل،طويلجدا ..امشي بمحاذاة الأشجار المرصوفة على كتف الرصيف،فأكتشف بأنها مزوقة وملونةبمختلف الثمار .أمد أناملي الخجله أليها برقة خوفامن نحت الخدوش عليها،ثم اقطف أحدى أفكارها الصغيرة .فالثمار،أفكار الشجر .والشجر،أفكار الطبيعة .أمضغها بهدوء وامتص مذاقها بتأن،فتنتشر في فميمرارة الأفكار .ومن أين للأفكار حلاوة ؟الأفكار المغلفة بالمرارة تنتج مرارة .والأفكار المغلفة بالحلاوة تنتج مرارة أيضا .أفتش بين الأغصان عن زمن العصافيرالمنطلقه وعنأيام الطيور الفاره،فأرى غايات الإنسان وآلامهتشتعل من دون هوادة .لم أفكر بإطفائها، لان ذلك يعدخروجا على طبيعةأفكر فىغاية تمشي على قدمين .أطلق زفيري في الفضاء،فتطير على متنه أسراريوغايتي في التطهر من رغبة البقاءفي الحياة إلى الأبد .أصبح أكثر إشراقا ولمعاناكلما اطرد عني الرغباتوالأمنيات الخالدة .أكون أكثر خفة ورقةكلما أبعدت عن قاموسي مفرداتالأحلام والملذات الأبدية .أرسل فراشة أحلامي إلى سماء العدم،فتذوب إلى حدالتلاشي،وتصبح جزءا من اللاشئ الخالد، الذي احلمبالعيش فيه طوال حياتي .أملأ صدري بهواء المعنىفأراقب تاريخي من الأعلى،مستخدما بصيرتي لمعرفة حركته واتجاهاته المرنة،ولإزالة غبارالموت الصريحعنه وكل ألوان الرضوخ لتاريخالآخرين المغلف بالثبات والرؤى الجاهزة .تتملكني رغبة قوية بإنهاء التسكع والجلوس علىالرصيف، لأراقب العالم من نقطة ثابتة، ربماستجعلني أمحو كل ما أنتجه رأسي من تصوراتورؤى عنه .غير أنني سرعان ما أنسى غايتي،بعدما سقط بصري على صور المجانين التي كانتتزخرف وجه الرصيفوتهديه جمالا مغايرا لم يكنالرصيف يحلم به من قبل .فصور المجانين تتبرع بنعمة الحكمةلكل من يحتفظ بهاوتدون كلمة الشعر الأزلية في عقول العقلاء .كثيرا ما نسي العقلاء بأن العالم قد خلق بجنون عاقل .ألملم صور المجانين بأناملي المدماة،وأتفحصها مليافتسقط دمعتي اليتيمة على احدهمتسيل دمعاتهمالملونة من عيونهم المشرقة بأحضاني،فأتلمسهابحذر بأنامل جنوني،فأكتشف الاحجيات الأبدية .تسبح دموع المجانين في عيونيكزوارق ورقية مليئةبصناديق مغلقة
أحدث إضافات الديوان
إضافة تعليق - (( user.name )) - خروج
ادارة موقع الشعر (( comment.message.user.name )) (( comment.message.user.name ))
(( comment.message.text ))
لا يوجد تعليقات.