إلى ((جميلة)) التي سجَّلت إعجازاً في صبر المرأة الفلسطينية،عندما وقفت على الرصيف المقابل لركام بناية((الصنايع))التي دمرها العدو الصهيوني بالقنبلة الفراغية لمدة أسبوعينتنتظر خروج جثة ابنها الوحيد ((غسّان))***صُرَاخٌ.. جُثَّةٌ أُخْرى، ((وَبُلْدوزَرْ))وصوتُ الريحْ.ورائحةُ الدِّماءِ تُحَطِّمُ الرِّئَتَيْنصراخٌ يشربُ الصمتَ الرَّهيبَويوقَظُ الحَذَرا،ومن جَوْفِ الرصيفِ تُطِلُّ عيناهاكَقُنبلتَينْتنتظرانِ أَمْرَ الصَّمْتِ واللُّقْيا.. لِتنفَجِرَا"جميلةُ" لا تصدقُ ما ترى .. والريحُتنْثُرُ شَعْرَها المَبْتُوتَفي وَجهٍ كَقرصِ الشمسِ ، يَنْهَبُهُ الأُفولومرةً أخرىتَلِفُّ جديلةً شقراءَ في يَدِها وترسِلُهابلا وعيٍ إلى المجهول :((أَيَّةُ غربة درزت على أقدامنا درزا؟!وأية أحجيات لم تزل تقعىعلى باب الغد المقفولأية قسمة ضيزىتحللنا على الموت الرخيصِ على الحرابعلى الأسى والحزن كيف تشاءُتذبحنا على الأنصابتنشرنا وتنسانا على الأقدار والأنيابتعشَقُ قتل أطيار الحقولِوتعتقُ القططَ السمينةَ والكلابْ،فأيُّ حلٍّ فيه سكينٌ ونابْ؟أي حل لا يُجلُّ النزفَ من ودج الرقاب؟وكلكم شهداءُ، فانتفِضوا،وسحقاً للأسى والعارِ، والدنيا .. وأشباه الحلولِ،وشرعِ هذا الغابْ))!!!***وتحتال الدموع على التكتم، والتمرد، والعذابْتجرُّ في خدَّيْ "جميلةَ" قصةً سوداء،في لون الحياة، هو الترابْ،يطير في الزحَم المريب لِحَمل أوصالٍ ،تلاقطها الرجالُ من الركامفتستخفُّ – بلا اكتراثٍ – للأمام :((فأي معنىً للفناءِ ؟وأي معنىٍ للقبور بلا أناسٍ ؟أي معنىً للحياة بلا أسًى ؟ ))وتغوصُ بين المنقذينَ لعله غسانْوخفّت كلُّ أنهارِ الدموع إلى اللقاءِتزاحمت في مقلتيهاأيها سيجرُّ هذا الكبتَ والكتمانْ ؟وفوق لسانها شبَّ الصراخُفكاد يحترق اللسانْ.وتستديرُ إلى الرصيفِ – فذاك يوسفُ –إبنُ بائعة الحليبِ ،وأين ساره ؟أين قاهرة الشقاء ؟ومن تراه يشيع الخبر الحزينَ ،يكون قنبلةً يفجر قلبها ،ويَذَرُّ في غدها الفناء ؟وكيف يشفيها العزاء ،ولم تذر بيتاً على جسد المخيمِلم تَرِدهُ بِسََطلها!!!خمسين قرشاً كل ما تجنيه من سَفرِ الحليبِ،لتشتري منه " ليوسفَ "ربما قلماً ودفترأو إذا فاضت أيادي المحسنينَأتت بسكّرةٍ لكوثركيف يكفيها العزاء لفقده ؟لم يبق حي أو زقاق أو فناءولم يطرزْه الحفاءوذلك الصوت الرتيبُ" هنا الحليبُ .. هنا الحليبُ "على شفاهٍ ترتوي قصصَ الأسىمن أمسها المنكوبِتسردها لأطفال المخيمِ ،مثلَ حسرتها على فمها تذوبُ .. تذوبْ.. وتسحبها من الهذيان حوقلةُ الرجالِ ،وجثةٌ أخرى، وزغردةُ النساء ،وخرقةٌ بيضاء تُخرجُها عن الصمت الدماء ،وفي العراء ،وبين أنقاض الزمان ونكبة الدنيا ،تُجاذِبُها الجُنونَ وتَستَبِدُّ بلُبّها ،قُطُفٌ مُنَشّرةٌ على الأشلاءِتَسرقها العيون .ويُدركها المساءوروحُها لمّا تزلْ تسعى على اللحم الممزقِمَنْ سيرتق هذه الأمعاء ؟!من سيخيطُ أميالاً من الجرح العميق ؟وأين غسانُ ؟ويفجِعُها السؤالُ : أماتَ !؟وابتدأت تخافُ،ومرََّ أسبوعان ، لم يخرج إلى الدنياليروي قصةَ الماء البعيد ،وقصةَ النهر الذي يجري ،لهيباً أو دماً وصديدْويفجعها السؤالُ: أماتَ ؟وانصدعَتْ بأعلى الصدرِ ،روحٌ كاد ينزعها الأسىلولا بقايا من ركامٍ لا تزالُتقيلُ في ظل الحريقعلى الثرى وتأرجحَ الأملُ القتيلُأمام عينيها على عرض الطريق ،فأمّلتْ .. وتنهدتْ .وتهزها جثثٌ تَلاحق في النشورِ ،فتستفيق ،على الحقيقةِ : ماتَ غسانُ .وهذا الردمُ والأنقاضُ ترقص فوقَهُغسانُ ماتْوماتَ في رجع الذهول صراخُها :غسانُ، يا هبةَ الملوك إلى مقام اللاتْيا ابن الريحِ ، يا ابن الموتِيا ابني، يا ابن أمسية اللجوءِويا قتيل الصمتِيا ابن الرحلة الأولىويا ابن النزحة السوداءيا ابن اليُتميا قربان هذي الأمة الحمقاءواندفق البكاءومن دموع الفجع نز عناء :مع الإعصارِ ، والتيارِمَنْ كفن الحياة يعود غسانُومن خلف الحدودِمع الورودِ يعودُ غسانمن الخوفِ ،من الحرفِ ،من النزفِ الذي سيجرُّ أنهار الكرامةِفي غدي ، سيعودُ غسانُومن حلق الفناء يعود غسانُمن السفَر العنيدِورحلةِ الماء البعيدِيعودُ غسانُإلى الأرض الحزينةِ ، لي ...غداً سيعود غسانُغداً سيعود غسانُ ،،،ويومٌ آخر يمضي ،ولا زالتْ "جميلةُ" تقتُلُ الساعاتِ واقفةًوتفترش الرصيفَ إلى الصباحِتشُدُّ جفنيهاإلى خَلَلِ الركامِفربما ..غسانُ يخرج كي تراهُ.. ولن تراهُفقد دنا يوم الرحيلِولم يزل غسانُيبحثُ في الجحيمِ عن المياهْ !!
عناوين مشابه
أحدث إضافات الديوان
إضافة تعليق - (( user.name )) - خروج
ادارة موقع الشعر (( comment.message.user.name )) (( comment.message.user.name ))
(( comment.message.text ))
لا يوجد تعليقات.