سيّرت في فجر الحياة سفيتني
و اخترت " قلبي " أن يكون إمامي
فجّرت على الأمواج قصرا من رؤى
ملء الفضا ، ملء المدى المترامي
و أقلّ منها البحر حين أقلّها
دنيا من الأضواء و الأنغام
و مشى الخيال على الحياة بسحره
فإذا الهوى في الماء و الأنسام
و إذا الرّمال أزاهر فوّاحة
و الشّطّ هيكل شاعر رسّام
و إذا العباب ملاعب و مراقص
و إذا أنا من صبوة لغرام
أتلقّف اللّذّات غير محاذر
و أعبّ في الزلاّت و الآثام
لا أكتفي و أخاف أكتفي
فكأنّما في الاكتفاء حمامي
و كأنّ هدبي أن تطول ضلالتي
و كأنّ ربّي أن يدوم أوامي
مرّت بي الأعوام تتلو بعضها
و أنا كأنّي لست في الأعوام
كالموج ضحكي ، كالضّياء ترنّحي
كالفجر زهوي ، كالخضمّ عرامي
حتى إذا هتف المشيب بلمّتي
ودنت يد الماحي إلى أحلامي
صرخ " الحجى " بي ساخطا متهكّما :
" هذا الغنيّ شرّى من الإعدام "
" أسلمتني للقلب و هو مضلّل
فأضرّني و أضرّك استسلامي "
" يا صاحبي أطلقني من سجن الرؤى
أنا تائه ! أنا جائع ! أنا ظامي !"
و أراد " عقلي " أن يقود سفيتني
للشطّ في بحر الحياة الطامي
فطويت أعلام الهوى و هجرتها
و نسيت حتّى أنّها أعلامي !
و حسبت آلامي انتهت لمّا انتهى
فإذا النهاية أعظم الآلام
و إذا الطريق مخاوف ووساوس
و إذا أنا من هبوة لقتام
أبغي الثراء و لم يكن من مطلبي
و أرى الجمال بناظر متعام
و أشيّد مثل الناس مجدا زائفا
و أشدّ حول الروح ثوب رغام
فإذا أنا ، و الأرض ملكي و السما
قد صرت عبد الناس ، عبد حطامي
فتضايق القلب السجين و قال لي :
" يا أيّها الجاني قتلت هيامي ! "
" ألقفر بالأحلام روض ضاحك
فإذا تلاشت فالرياض مومي "
" أين العيون تذيبني حركاتها
و تموت في سكناتها آلامي "
" و أطلّ من أهدابهاا السكرى على
ظلّ ، و أنداء ، وزهر نام "
" لمّا عصاني أن أشبّ ضرامها
أعيا عليها أن تشبّ ضرامي "
" ألخمر ملء الجام لكن قد مضى
شوقى إلى الخمر التي في الجام "
" أسلمتني " للعقل " و هو مضلّل
فأضرّني و أضرّك استسلامي "
" أنظر ، ألست تراك في أوهامه
أشقى و أتعس منك في أوهامي ؟ "
" ألمال ! من ذا يشتريه كلّه
منّي بليل صبابة و غرام ؟ "
" يا صاحبي أطلقني من سجن النهى
أنا تائه ! أنا جائه ! أنا ظامي "
***
لا تسألوني اليوم عن قيثارتي
قيثارتي خشب بلا أنغام !
يا شاعرا غنّي فردّ لي الصّبا
فإذا مواكبه تسير أمامي
إنّا التقينا في الشباب و في الهوى
في حومتين
و سنلتقي و إن افترقنا في غد
في حبّ لبنان و حبّ الشام
و ستلتقي روحي وروحك بعدما
تفنى الهياكل في الإله السامي
أهلا بذي الأدب الصراح المصطفى
بالفاتح الرّوحيّ ، بالمقدام
بالشاعر الغرّيد في ألحانه
عبق الربيع و نضرة الأكمام
هو إن ذكرت الشعر من أمرئه
و إذا ذكرت المجد فهو عصامي
إضافة تعليق - (( user.name )) - خروج
ادارة موقع الشعر (( comment.message.user.name )) (( comment.message.user.name ))
(( comment.message.text ))
لا يوجد تعليقات.