جئت، لا أعلم من أين، ولكنّي أتيتولقد أبصرت قدّامي طريقا فمشيتوسأبقى ماشيا إن شئت هذا أم أبيتكيف جئت؟ كيف أبصرت طريقي؟لست أدري!أجديد أم قديم أنا في هذا الوجودهل أنا حرّ طليق أم أسير في قيودهل أنا قائد نفسي في حياتي أم مقودأتمنّى أنّني أدري ولكن...لست أدري!وطريقي، ما طريقي؟ أطويل أم قصير؟هل أنا أصعد أم أهبط فيه وأغورأأنا السّائر في الدّرب أم الدّرب يسيرأم كلاّنا واقف والدّهر يجري؟لست أدري!ليت شعري وأنا عالم الغيب الأمينأتراني كنت أدري أنّني فيه دفينوبأنّي سوف أبدو وبأنّي سأكونأم تراني كنت لا أدرك شيئا؟لست أدري!أتراني قبلما أصبحت إنسانا سويّاأتراني كنت محوا أم تراني كنت شيّاألهذا اللّغو حلّ أم سيبقى أبديّالست أدري... ولماذا لست أدري؟لست أدري!البحر:قد سألت البحر يوما هل أنا يا بحر منكا؟هل صحيح ما رواه بعضهم عني وعنكا؟أم ترى ما زعموا زوار وبهتانا وإفكا؟ضحكت أمواجه مني وقالت:لست أدري!أيّها البحر، أتدري كم مضت ألف عليكاوهل الشّاطىء يدري أنّه جاث لديكاوهل الأنهار تدري أنّها منك إليكاما الذّي الأمواج قالت حين ثارت؟لست أدري!أنت يا بحر أسير آه ما أعظم أسركأنت مثلي أيّها الجبار لا تملك أمركأشبهت حالك حالي وحكى عذري عذركفمتى أنجو من الأسر وتنجو؟ ..لست أدري!ترسل السّحب فتسقي أرضنا والشّجراقد أكلناك وقلنا قد أكلنا الثّمراوشربناك وقلنا قد شربنا المطراأصواب ما زعمنا أم ضلال؟لست أدري!قد سألت السّحب في الآفاق هل تذكر رملكوسألت الشّجر المورق هل يعرف فضلكوسألت الدّر في الأعناق هل تذكر أصلكوكأنّي خلتها قالت جميعا:لست أدري!برفض الموج وفي قاعك حرب لن تزولاتخلق الأسماك لكن تخلق الحوت الأكولاقد جمعت الموت في صدرك والعيش الجميلاليت شعري أنت مهد أم ضريح؟..لست أدري!كم فتاة مثل ليلى وفتى كأبن الملوحأنفقا السّاعات في الشّاطىء ، تشكو وهو يشرحكلّما حدّث أصغت وإذا قالت ترنّحأخفيف الموج سرّ ضيّعاه؟..لست أدري!كم ملوك ضربوا حولك في اللّيل القباباطلع الصّبح ولكن لم نجد إلاّ الضّباباألهم يا بحر يوما رجعة أم لا مآباأم هم في الرّمل ؟ قال الرّمل إني...لست أدري!فيك مثلي أيّها الجبّار أصداف ورملإنّما أنت بلا ظلّ ولي في الأرض ظلّإنّما أنت بلا عقل ولي ،يا بحر ، عقلفلماذا ، يا ترى، أمضي وتبقى ؟..لست أدري!يا كتاب الدّهر قل لي أله قبل وبعدأنا كالزّورق فيه وهو بحر لا يجدّليس لي قصد فهلل للدهر في سيري قصدحبّذا العلم، ولكن كيف أدري؟..لست أدري!إنّ في صدري، يا بحر ، لأسرار عجابانزل السّتر عليها وأنا كنت الحجاباولذا أزداد بعدا كلّما أزددت اقتراباوأراني كلّما أوشكت أدري...لست أدري!إنّني ،يا بحر، بحر شاطئاه شاطئاكاالغد المجهول والأمس اللّذان اكتنفاكاوكلانا قطرة ، يا بحر، في هذا وذاكلا تسلني ما غد، ما أمس؟.. إني...لست أدري!الدير:قيل لي في الدّير قوم أدركوا سرّ الحياةغير أنّي لم أجد غير عقول آسناتوقلوب بليت فيها المنى فهي رفاتما أنا أعمى فهل غيري أعمى؟..لست أدري!قيل أدرى النّاس بالأسرار سكّان الصوامعقلت إن صحّ الذي قالوا فإن السرّ شائععجبا كيف ترى الشّمس عيون في البراقعوالتي لم تتبرقع لا تراها؟..لست أدري!إن تك العزلة نسكا وتقى فالذّئب راهبوعرين اللّيث دير حبّه فرض وواجبليت شعري أيميت النّسك أم يحيي المواهبكيف يمحو النّسك إثما وهو إثم؟..لست أدري!أنني أبصرت فيّ الدّير ورودا في سياجقنعت بعد النّدى الطّاهر بالماء الأجاجحولها النّور الذي يحي ، وترضى بالديّاجيأمن الحكمة قتل القلب صبرا؟..لست أدري!قد دخلت الدّير عند الفجر كالفجر الطّروبوتركت الدّير عند اللّيل كاللّيل الغضوبكان في نفسي كرب، صار في نفسي كروبأمن الدّير أم اللّيل اكتئابي؟لست أدري!قد دخلت الدّير استنطق فيه الناسكينافإذا القوم من الحيرة مثلي باهتوناغلب اليأس عليهم ، فهم مستسلموناوإذا بالباب مكتوب عليه...لست أدري!عجبا للنّاسك القانت وهو اللّوذعيهجر النّاس وفيهم كلّ حسن المبدعوغدا يبحث عنه المكان البلقعأرأى في القفر ماء أم سرابا؟..لست أدري!كم تمارى ، أيّها النّاسك، في الحق الصّريحلو أراد اللّه أن لا تعشق الشّيء المليحكان إذ سوّاك بلا عقل وروحفالّذي تفعل إثم ... قال إني ...لست أدري!أيّها الهارب إنّ العار في هذا الفرارلا صلاح في الّذي تفعل حتّى للقفارأنت جان أيّ جان ، قاتل في غير ثارأفيرضى اللّه عن هذا ويعفو ؟..لست أدري!بين المقابر:ولقد قلت لنفسي، وأنا بين المقابرهل رأيت الأمن والرّاحة إلاّ في الحفائر؟فأشارت : فإذا للدّود عيث في المحاجرثم قالت :أيّها السّائل إني...لست أدري!أنظري كيف تساوى الكلّ في هذا المكانوتلاشى في بقايا العبد ربّ الصّولجانوالتقى العاشق والقالي فما يفترقانأفبذا منتهى العدل؟ فقالت ...لست أدري!إنّ يك الموت قصاصا، أيّ ذنب للطّهارهوإذا كان ثوابا، أيّ فضل للدعارهوإذا كان يوما وما فيه جزاء أو جسارهفلم الأسماء إثم أو صلاح؟..لست أدري!أيّها القبر تكلّم، واخبرني يا رمامهل طوى أحلامك الموت وهل مات الغراممن هو المائت من عام ومن مليون عامأبصير الوقت في الأرماس محوا؟..لست أدري!إن يك الموت رقادا بعده صحو طويلفلماذا ليس يبقى صحونا هذا الجميل؟ولماذا المرء لا يدري متى وقت الرّحيل؟ومتى ينكشف السّرّ فيدري؟..لست أدري!إن يك الموت هجوعا يملأ النّفس سلاماوانعتاقا لا اعتقالا وابتداء لا ختامافلماذا أعشق النّوم ولا أهوى الحماماولماذا تجزع الأرواح منه؟..لست أدري!أوراء القبر بعد الموت بعث ونشورفحياة فخلود أم فتاء ودثورأكلام النّاس صدق أم كلام الناس زورأصحيح أنّ بعض الناس يدري؟..لست أدري!إن أكن أبعث بعد الموت جثمانا وعقلاأترى أبعث بعضا أم ترى أبعث كلاّأترى أبعث طفلا أم ترى أبعث كهلاثمّ هل أعرف بعد الموت ذاتي؟..لست أدري!يا صديقي، لا تعللّني بتمزيق السّتوربعدما أقضي فعقلي لا يبالي بالقشورإن أكن في حالة الإدراك لا أدري مصيريكيف أدري بعدما أفقد رشدي...لست أدري!القصر والكوخ:ولقد أبصرت قصرا شاهقا عالي القبابقلت ما شادك من شادك إلاّ للخرابأنت جزء منه لكن لست تدري كيف غابوهو لا يعلم ما تحوي؛ أيدري؟..لست أدري!يا مثالا كان وهما قبلما شاء البناةأنت فكر من دماغ غيّبته الظلماتأنت أمنية قلب أكلته الحشراتأنت بانيك الّذي شادك لا ... لا...لست أدري!كم قصور خالها الباني ستبقى وتدومثابتات كالرّواسي خالدات كالنّجومسحب الدّهر عليها ذيله فهي رسوممالنا نبني وما نبني لهدم؟..لست أدري!لم أجد في القصر شيئا ليس في الكوخ المهينأنا في هذا وهذا عبد شك ويقينوسجين الخالدين اللّيل والصّبح المبينهل أنا في القصر أم في الكوخ أرقى؟لست أدري!ليس في الكوخ ولا في القصر من نفسي مهربأنّني أرجو وأخشى، إنّني أرضى وأغضبكان ثوبي من حرير مذهب أو كان قنّبفلماذا يتمنّى الثوب عاري؟..لست أدري!سائل الفجر: أعند الفجر طين ورخام؟واسأل القصر ألا يخفيه، كالكوخ، الظّلامواسأل الأنجم والرّيح وسل صوب الغمامأترى الشّيء كما نحن نراه؟..لست أدري!الفكر:ربّ فكر لاح في لوحة نفسي وتجلّىخلته منّي ولكن لم يقم حتّى تولّىمثل طيف لاح في بئر قليلا واضمحّلاكيف وافى ولماذا فرّ منّي؟لست أدري!أتراه سابحا في الأرض من نفس لأخرىرابه مني أمر فأبى أن يستقرّاأم تراه سرّ في نفسي كما أعبر جسراهل رأته قبل نفسي غير نفسي؟لست أدري!أم تراه بارقا حينا وتوارىأم تراه كان مثل الطير في سجن فطاراأم تراه انحلّ كالموجة في نفسي وغارافأنا أبحث عنه وهو فيها،لست أدري!صراع وعراك:إنّني أشهد في نفسي صراعا وعراكاوأرى ذاتي شيطانا وأحيانا ملاكاهل أنا شخصان يأبى هذا مع ذاك اشتراكاأم تراني واهما فيما أراه؟لست أدري!بينما قلبي يحكي في الضّحى إحدى الخمائلفيه أزهار وأطيار تغني وجداولأقبل العصر فأسى موحشا كالقفر قاحلكيف صار القلب روضا ثمّ قفرا؟لست أدري!أين ضحكي وبكائي وأنا طفل صغيرأين جهلي ومراحي وأنا غضّ غريرأين أحلامي وكانت كيفما سرت تسيركلّها ضاعت ولكن كيف ضاعت؟لست أدري!لي إيمان ولكن لا كأيماني ونسكيإنّني أبكي ولكن لا كما قد كنت أبكيوأنا أضحك أحيانا ولكن أيّ ضحكليت شعري ما الذي بدّل أمري؟لست أدري!كلّ يوم لي شأن ، كلّ حين لي شعورهل أنا اليوم أنا منذ ليال وشهورأم أنا عند غروب الشمس غيري في البكوركلّما ساءلت نفسي جاوبتني:لست أدري!ربّ أمر كنت لّما كان عندي أتّقيهبتّ لّما غاب عنّي وتوارى أشتهيهما الّذي حبّبه عندي وما بغّضنيهأأنا الشّخص الّذي أعرض عنه؟لست أدري!ربّ شخص عشت معه زمناألهو وأمرحأو مكان مرّ دهر لي مسرى ومسرحلاح لي في البعد أجلى منه في القرب وأوضحكيف يبقى رسم شيء قد توارى؟لست أدري!ربّ بستان قضيت العمر أحمي شجرهومنعت النّاس أن تقطف منه زهرهجاءت الأطيار في الفجر فناشت ثمرهألأطيار السّما البستان أم لي؟لست أدري!رب قبح عند زيد هو حسن عند بكرفهما ضدّان فيه وهو وهم عند عمروفمن الصّادق فيما يدّعيه ، ليت شعريولماذا ليس للحسن قياس؟لست أدري!قد رأيت الحسن ينسى مثلما تنسى العيوبوطلوع الشّمس يرجى مثلما يرجى الغروبورأيت الشّر مثل الخير يمضي ويؤوبفلماذا أحسب الشرّ دخيلا؟لست أدري!إنّ هذا الغيث يهمي حين يهمي مكرهاوزهور الأرض تفشي مجبرات عطرهالا تطيق الأرض تخفي شوكها أو زهرهالا تسل : أيّهما أشهى وأبهى؟لست أدري!قد يصير الشوك إكليلا لملك أو نبّيويصير الورد في عروة لص أو بغيّأيغار الشّوك في الحقل من الزّهر الجنّيأم ترى يحسبه أحقر منه؟لست أدري!قد يقيني الخطر الشّوك الذي يجرح كفّيويكون السّمّ في العطر الّذي يملأ أنفيإنّما الورد هو الأفضل في شرعي وعرفيوهو شرع كلّه ظلم ولكن ...لست أدري!قد رأيت الشّهب لا تدري لماذا تشرقورأيت السّحب لا تدري لماذا تغدقورأيت الغاب لا تدري لماذا تورقفلماذا كلّها في الجهل مثلي ؟لست أدري!كلّما أيقنت أني قد أمطت السّتر عنيوبلغت السّر سرّي ضحكت نفسي منيقد وجدت اليأس والحيرة لكن لم أجدنيفهل الجهل نعيم أم جحيم؟لست أدري!لذة عندي أن أسمع تغريد البلابلوحفيف الورق الأخضر أو همس الجداولوأرى الأنجم في الظلّماء تبدو كالمشاعلأترى منها أم اللّذة منّي...لست أدري!أتراني كنت يوما نغما في وترأم تراني كنت قبلا موجة في نهرأم تراني كنت في إحدى النّجوم الزّهرأم أريجا ، أم حفيفا ، أم نسما؟لست أدري!فيّ مثل البحر أصداف ورمل ولآلفي كالأرض مروج وسفوح وجبالفيّ كالجو نجوم وغيوم وظلالهل أنا بحر وأرض وسماء؟لست أدري!من شرابي الشّهد والخمرة والماء الزّلالمن طعامي البقل والأثمارواللّحم الحلالكم كيان قد تلاشى في كياني واستحالكم كيان فيه شيء من كياني؟لست أدري!أأنا أفصح من عصفورة الوادي وأعذب؟ومن الزّهرة أشهى ؟ وشذى الزّهرة أطيب؟ومن الحيّة أدهى ؟ ومن النّملة أغرب؟أم أنا أوضع من هذي وأدنى؟لست أدري!كلّها مثلي تحيا، كلّها مثلي تموتولها مثلي شراب ، ولها مثلي قوتوانتباه ورقاد، وحديث وسكوتفيما أمتاز عنها ليت شعري؟لست أدري!قد رأيت النّمل يسعى مثلما أسعى لرزقيوله في العيش أوطار وحق مثل حقيقد تساوى صمته في نظر الدّهر ونطقيفكلانا صائر يوما إلى ما ...لست أدري!أنا كالصّهباء ، لكن أنا صهباي ودّنيأصلها خاف كأصلي ، سجنها طين كسجنيويزاح الختم عنها مثلما ينشّق عنيوهي لا تفقه معناها، وإني...لست أدري!غلط القائل إنّ الخمر بنت الخابيهفهي قبل الزق كانت في عروق الدّاليهوحواها قبل رحن الكرم رحم الغاديهإنّما من قبل هذا أين كانت؟لست أدري!هي في رأي فكر ، وهي في عينّي نوروهي في صدري آمال ، وفي قلبي شعوروهي في جسمي دم يسري فيه ويمورإنّما من قبل هذا كيف كانت؟لست أدري!أنا لا أذكر شيئا من حياتي الماضيةأنا لا أعرف شيئا من حياتي الآتيهلي ذات غير أني لست لأدري ماهيهفمتى تعرف ذاتي كنه ذاتي؟لست أدري!إنّني جئت وأمضي وأنا لا أعلمأنا لغز ... وذهابي كمجيتي طلسموالّذي أوجد هذا اللّغز لغز أعظملا تجادل ذا الحجا من قال إنّي ...لست أدري!
عناوين مشابه
إضافة تعليق - (( user.name )) - خروج
ادارة موقع الشعر (( comment.message.user.name )) (( comment.message.user.name ))
(( comment.message.text ))
لا يوجد تعليقات.