التلاميذ يعتصمون في بيت - نزار قباني

الخليل بن أحمد الفراهيدي..
أرتكب القصيدة المعاصرة
أخرج كالعصفور من مربعات الذاكرة
أخرج نحو البحر
أرتكب الخيانة العظمى التي
يقال عنها: الشعر
أنتزع الاشكال من أشكالها
أتزعزع الاشياء من مكانها
أزرع سكينتي بصدر العصر..
أمارس العشق على طريقتي
في الجهر، لا في الستر
أفعلة تحت الشجر
أفعله على حجر
مخترقا كل الخطوط الحمر..
أرتكب الشعر..ولا يهمني
إن قيل هذا كفر
فلا أريد العفو من خليفة
أو من طويل العمر
ولست أنوي..
حذف بيت واحد كتبته
إن جاء يوم الحشر..
ارتكب القصيدة الكثيرة الخطايا
أرتكب القصيدة العظيمة الذنوب
وأكتب النص الذي يخترع الدروب..
وأكره الشمس التي تطلع دون موعدها
وأعشق الشمس التي تطلع دون موعد
من شفة المحبوب..
أقلد الشعر الذي يكتبه الأطفال
وأرسم القصيدة- الأرنب، والقصيدة- الغزال
وأرسم القصيدة- النحلة،
والقصيدة- البطة،
والقصيدة- الطاووس،
والقصيدة- السنجاب،
والقصيدة الزرقاء كالهلال
وأرسم القصيدة- الإعصار،
والقصيدة- الزلزال،
أحول الأرض لإلى فراشة جميلة
أحول الدنيا إلى سؤال..
أرتكب القصيدة المغامرة
واللغة المغامرة
والصور المغامرة
ألهث فوق الورق الأبيض كالمجنون
أشرب ضوء القمر الطالغ من حدائق العيون
أدخل في رائحة النعناع،
في كثاغة السماق،
في تجمع المياه تحت الأرض،
في حرائق العقيق،
في توجع الليمون..
أرتكب الموت على نهدين طائشين
يجهلان، ما هو القانون؟؟
أرتكب النبيذ..
والأريكة الخضراء..
والدشداشة المصرية النقوش..
والفرط العراقي الذي
يسرح كالغزال فوي عنقك الطويل،
والخلخال في الساقين..
والعطر الخرافي الذي يخترق الأعماق كالسكين،
والخضر الذي تحسبه حقيقة
ثم إذا تمسكت به،
يغيث كالظنون..
أصرخ تحت المطر الأسود في عينيك..
كالمجنون..
أرحل من مرافئ الشعر الذي يكون.....
جنيف 25-1-86
© 2024 - موقع الشعر