قصيدة الرياح - محمد الفيتوري

ربما لم تزل تلكم الأرض
تسكن صورتها الفلكية
لكن شيئا على سطحها قد تكسر
ربما ظل بستان صيفك
أبيض في الصيف
لكن برق العواصف
خلف سياجك أحمر
ربما كان طقسك، نارا مجوسية
في شتاء النعاس الذي لا يفسر
ربما كنت أصغر
مما رأت فيك تلك النبوءات
أو كنت أكبر
غير أنك تجهل أنك شاهد عصر عتيق
وأن نيازك من بشر تتحدى السماء
وأن مدار النجوم تغير!!
***
ها قد انطفأت شرفات السنين
المشعة بالسحر واللؤلؤ الأزلي
وأسدل قصر الملائكة المنشدين ستائره
وكأن يدا ضخمة نسجت
أفقا من شرايينها
في الفضاء السديمي
ها قد تداخلت اللغة المستحيلة
في جدل الشمس والظلمات
كأن أصابع من ذهب تتلمس
عبر ثقوب التضاريس
إيقاعها
تلكم الكائنات التي تتضوع في صمتها
لم تغادر بكارتها في الصباح
ولم تشتعل كرة الثلج بعد..!
***
فأية معجزة في يديك
وأيه عاصفة في نهارك
"إني رأيت سقوط الإله
الذي كان في بوخارست
كما لو هوى برج إيفل في ذات يوم
كما لو طغى نهر السين
فوق حوائط باريس
كان حريق الإله الذي
مات في بوخارست عظيما
وكان الرماد عظيما
وسال دم بارد في التراب
وأوصد الباب
وورب باب
***
ولكن ثمة في بوخارست بلادي أنا
لا تزول الطواغيت
أقنعة تشرك الله في خلقه
فهي ليست تشيخ
وليست تموت!
وقائمة هي، باسم القضية
وأنظمة الخطب المنبرية
وحاملة هي، سر الرسالة
وشمس العدالة
وقادرة هي، تمسخ روح الجمال
ولا تعرف الحق
أو تعرف العدل
أو تعرف الاستقالة
***
وفي بوخارست بلادي
أزمنة تكنز الفقر خلف خزائنها..
وسكون جريح
وأشباح موتى من الجوع
تخضر سيقانهم في الرمال
وتيببس ثم تقيح!
ومجد من الكبرياء الذليلة
والكذب العربي الفصيح
"كأنك لم تأت إلا لكي تشعل النار
في حطب الشرق وحدك
في حطب الشرق وحدك
تأتي..
وشمسك زيتونة
والبنفسج إكليل غارك
ولا شيء في كتب الغيب غير قرارك"
"إني رأيت رجالا
بنوا من حجارة تاريخهم وطنا
فوق حائط برلين
وانحفروا فيه
ثم تواروا وراء السنين
لكي لا ينكس رايته المجد يوما
على قبب الميتين
وكيلا تدور على الأرض
نافورة الدم والياسمين!"
وفي بوخارست التي
سكبت روحها فيك
وازدهرت في نقوش إزارك
في بوخارست انتظارك
سماء تكاد تسيل احمرارا
وأيد مقوسة تتعانق خلف الغيوم
وآجره من تراب النجوم
تظل تبعثرها الريح..
خلف مدارك!
الرباط. 1990
© 2024 - موقع الشعر