جروح ألحان خافتة تتسلل إلى غرفتنا ، تنزلق نظراتي عبر زجاج النافذة ، ألتفت إلىسريري ، الليلة ليلة فتاة فقيرة مذعورة خائفة ، أحسّ برغبة في الهرب ،والنظرات النهمة تهدر في كياني ، وغابت يداه في بيادر شعري . أزيح شفتي قليلاً ورائحة خمرتهتحسسني بالاختناق . وأبقى تمثالاً بلا انفعال ، وظلال الخوف تغمرني ، أتلفّت باحثة عنك يا أمييرجمني الحبيب النائي لأني قتلته ، وأخفتني أمي بين أعشاب موحلة . أبحث عن وجهالحبيب في وجهه ، ويسخر هذا الرجل الغريب من اضطرابي دون أن يفهم ما أعاني وصوتهيخور ويهدأ ، تنتحب الأمواج لأن زرقتها قد اغتصبت وابتلع الرمل كل قطرات دمائهابصمت أخرس .بعد أسبوع تركنا الفندق لأجوب معه مسالك مجهولة ، أنكمش في مقعدي ، وحديثه المطمئنيتغلغل إلى أعوامي الخمسة والعشرين، تراءى لي وجه أمي ، ما بالها الآن صامتة ؟ وقدكانت طول الشهر الماضي تنبت لي أحلام المستقبل في الغربة التي قررتها لمصيري ،أحدّق في وجهها ، لماذا يلتفّ اليوم بكآبة مبهمة ، أهي قد عزّ عليها فراقي ؟وأخيراً وصلت إلى هذه المدينة الغريبة ، اللغة غير لغتي والشعب غير البشر الذينألفتهم ، أنزوي في منزله ببطء ذليل والأسى مرتسم على وجهي . لن تري وجهي أبداً ياأمي ، لن أغفر لك استغلالك لجمالي وما زلت أسمع صرختك :- هل تتركين أخوتك يموتون جوعاً ؟ وفرحة إنقاذهم بين يديك، وهذا الرجل يقدّم ثروتهأمام كلمة منك ...أنظر إليك بعينين دامعتين ، هذا الرجل منافق يا أمي ، في عينيه يطوي خداعاً أحسّ بهيعود صوتك القاسي :- أنت تنفرين منه ، فكيف تطلقين أحكامك دون معرفته ؟- لا فائدة من الجدل معك يا أمي ..- إذن تحمّلي إن مات أخوتك ، كما مات والدك من فقره ومرضه .لم أكن أتصوّر أني سأدفع الثمن غالياً يا أمي لأنني طيّبة وحنونة، أغمض عيني ،أحدّق في النور الأصفر الذي يبدو متعباً ، سأرفض ، تسع سنوات وأنا أعمل وأعطي وأقومبدور الأب الذي مات . تسع سنوات ، ألا تكفي يا أمي ؟ لن أُباع كسلعة على يديك ياأمي ، أنت لا تسمعين نزّ الجرح في أعماقي ، بينما تصفعك موجة حنان عاصفة تجاه أيدمعة من أخوتي الذكور .. خطوات زوجتي تتجه نحو غرفة أطفاله في الجناح الآخر منمنزله الفخم .. أصحو من تشتت أفكاري ، تتركز نظراتي على النافذة ، ثم يتوارىللعربدة مع ضيوفه في صالونه ، ونقاط الدمع ترقص في سجن غرفتي .. يأتي إليّ وعيونهالماكرة تسخر مني ، أحسّ أن أقدام ضيوفه تتحرّك فوق رأسي بقسوة ، أرفض أرفض وتشتعلالنيران في أعماقي مذعورة. يغمغم بأسى مصطنع : - لا فائدة من عنادك وإصرارك الرافضسخريته لن تلوّثني ، لن أكون السلعة الجديدة التي يجرّدها من إنسانيتها وعواطفهاويقدمها لضيوفه .. وعينا أمجد تنظران إليّ بيأس خلال الظلمة هكذا خيّل إليّ.. أمجدمراهقتي وحبي . أمجد رمز الوفاء لي .. أنتفض مذعورة ويهرب وجه – أمجد – من ذاكرتي ينفث دخانه في وجهي المعربد ،وتفوح خمرته وهو يمارس نزوة غروره كرجل ويقهقه أنا أقوم بواجبي معك تهوي سخريتهويخور في القفار حولي، ثم يهدأ كل شيء . إلاوجهك يا أمي ، ويدك التي تسترخي عليها أوراقهالنقدية. كانت سلعة رابحة أليس كذلك يا أمي ؟.. لماذا أنكَرَ أنه متزوج وله ثلاثة أطفال ؟ ألم أقل لك أنه يخدعُنا ياأمي ؟.. لقد أرادني تجارة جديدة ، وسلعة عزيزة الثمن، سماعة الهاتف تهتز في يده وهويطمئنك عني فرحاً ، وصوت ضحكاتك تضج في فراغي ،أنا لا أبكي يا أمي ، بل أرسم الذل الصامت على وجهي ، ومع ذلك أرفضبإصرار عنيد دور المومس لضيوفه ، ولكن لا أستطيع رفضه كزوج صفقة جعل الليرات تتدفق بين يديك ، أنسلّ من ظلام حقدي متمردة ،أرسم علىجدراني ذكراك يا أمجد ، بحار النبل في عينيك ، لا تنظر إلى رعبي ، إني متعبة ياأمجد لا تتأملني بوجه جمّدت الصدمة ملامحه!.. أهتف لوجهكقل أي شيء .. قل إنني خدعتك-لقد علمتني يا أمجد أن الشجاعة والإخلاص تتجسدان في مواجهة المواقف ، لذلك ما زلت قويةيتأملني أمجد والعرق البارد يتصبب منه ، يداه تحيطان وجهي بحنان حقيقي- لقد جعلتني أمي سلعة وقبضت الثمن .. ورفضتك أنت لأنك عامل فقير ، والحب بمفهومهالا ينتعش بثوب عامل ملطخ بالتعب . خمس سنوات يا أمجد .. وأنا في ذلك المنزلالمحموم. ولأني تشبثت بالرفض طردت كحشرة ، وتنقلني سيارته إلى المطار مع ورقة حريتي إلى مدينتيإلى أين يا أمجد تنطلق بي ؟ -:يرمقني صامتاً ، أرفع عينيّ الواكفتين بالدمع ولا أقوى على النظر إلى براءةوجهه صوته ينبت الفرحإني أحترم تضحيتك .. وكنت أنتظرك دائماً أخاف أن أغمض عيني ولا أراه ثانية لقد زرعته دائماً بين أنفاس-زهر البرتقال ، وموج الحب لا يهدأ .. طالما أن البحر وليمة الخلود
عناوين مشابه
أحدث إضافات الديوان
إضافة تعليق - (( user.name )) - خروج
ادارة موقع الشعر (( comment.message.user.name )) (( comment.message.user.name ))
(( comment.message.text ))
لا يوجد تعليقات.