أسوار التاريخ

لـ محمد محضار، ، في غير مصنف، آخر تحديث

أسوار التاريخ - محمد محضار

عند أسوار التاريخ
انتظرت تفسيرا لشعور يداهمني بإلحاح
ودخلت في مفاوضات سرية مع عرّافة من كندة
أضاعت وِدْعها في ليلة ظلماء
بقصبة "بولعوان"
أخبرتني أن ريح العشيرة تنفخ في صدري
نَزعة العصبية
وأن جينات الأسلاف تخنق خلايا دماغي
وتجبرني على التصرف بغموض يفتك بمصداقيتي
ويوصد أبواب الحقيقة في وجهي
قالت بصوت عميق:
تخلص من الوصاية
تحرر من الأغلال
تفيأ ظلال الحقيقة
وفَكِّر من علو باسق
«2»
عند أسوار التاريخ
مرّت بي قَوافل رجال ونساء
وسمعت رُغاء إبل ونُباح كلاب
وتهادى لِسمعي هدير قطارات
ومنبهات سيارات وباصات
ورأيت نساكاً وفقهاءَ يطاردون الشيطان
وعبيداً مخصيين وسبايا شبه عاريات
وأنصاف آلهة يهرولون " جلجامش، هرقل، أطلس الموريطاني..."
ورأيت أخيل و غاليلي و نيرون وكافكا
وعطيل وابو نواس وحسان ابن ثابت وأبو عبد الله الغالب
ورأيت المهدي بن تومرت ومولاي بوشعيب الردّاد والسيدة الحرة
وشويخ مكناس وأبو المسك كافور والمتنبي وضبة الأسدي
«3»
عند أسوار التاريخ
ترقص إيزيس
في يدها نجمة
يمضي الحول وتَدور الدائرة
وتضيء بنات نَعْش دُجَى السّماء
خرائدُ سافرات في حداد
وتهرول نحوي عَرّافة كندة
حاضنة كَيْس وِدعها المفقود
تجر خلفها عقابيل الردّة
ورشح موجة ضالة
تنفث في أذني هامسة:
"ثمة أشياء نحسها ولا نفهمها
ثمة مشاعر في باطنها ضعف خَفِيّ
يخَالها الناظرُ قُوّةَ عريكة
شُعوركَ الغَريب، ظِلال لأحلامْ أمّةٍ
تعيش على الأطلال
وسِحر عيون المها
ومهابة الخليفة"
«4»
تحطمت أسوار التاريخ
رأيت الصورة على حقيقتها
"بلقيس تقرأ نوطة الصُولفيج
سالومي تحمل رأس يوحنا المعمدان
شبيه عيسى مصلوب بيد بيلاطس البنطي
الصحابة يَلدّون الرسول وهو يقول لا تَلُدّوني
الحلاج يلفظ أنفاسه مصلوبا بباب خرسان ودجلة تبكيه"
تلعثمتُ، تكسر الوَهم بين يدي، لم يعد الرمز وارداً
تفرقت نبضات قلبي بين أدغال الركاكة وحطام البلادة
أيقنت أن التاريخ وِجهات نَظَرٍ وأفكار تأتي عفوية، ثم تصبح ملزمة
«5»
تائه بين المسافات
أعُدّ سكنات الصمت المريبة
في الأفق يلوح حلم جانح وشبه منحرف
ينبئ بالجنون المقنن يعتلي صهوة الحقيقة
برقصة صامبا في كرنفال الجموح
بطرود مفخخة في مكاتب البريد
بجماجم ناطقة في متحف الحياة
برؤوس قد أينعت وحان وقت قطافها
بأعوام الجوع وحروب الطواحين.
حينما جربت الهروب من المواجهة
داهمتني مشاعر مشحونة بالآنفة وشرف العشيرة
سمعت صوت البارود
وصليل السيوف
كتمت مشاعري
لبست ثوب بهلوان
رميت التاريخ خلف ظهري
ودفنت وجهي في هاتفي النقال
© 2024 - موقع الشعر