بلقيس

لـ ناصر محمد الفراعنة، ، في غير مُحدد، 8،394

بلقيس - ناصر محمد الفراعنة

أضحى يُلاعِبُ كَفّ الودّ نقرِيسُ
حتى رمتهُ برمحِ البَيْنِ بلقيسُ

تصدّعَ الدهرُ عن بؤسٍ فمدّ لهُ
يدَاً إلى أن شكى أثوابَهُ البُوسُ

لوصل شاميّةٍ في عزّ مشأمةٍ
تكادُ تسرقُ منهُ الروحَ (طرطوسُ)

بنى لها طللاً في نجد ذا حِللٍ
يصبّرُ النفسَ والمسلوسُ مسلوسُ

يرجو بهِ ما دجى الداجي منادمةً
أنّى تنادمهُ اليومَ الأماليسُ ؟

اليومَ حولهُ أنعى كلّ نائيةٍ
أبكي عليها وتُبكيني النواويسُ

أقلّبُ الطرْفَ في شامٍ وفي يمنٍ
كأنني من بنات الجِنّ ملبوسُ

ما الدارُ كالدارِ في الأمسِ القريبِ ولا
تلكَ التضاريسُ بالأمسِ التضاريسُ

مِن ودْق ساريةٍ كلمى وغاديةٍ
كأنها لترابٍ عالقٍ مُوسُ

اخضرّ يابسُها واشتدّ قارسُها
والتفّ حارسُها والرمْسُ مدروسُ

كأنّ أشباحَ أطلالٍ بها انتصبت
صُمّ التماثيلِ أحيتها القلانيسُ

مِن جنّة العمر ما باقٍ بها علَمٌ
حيٌّ وما قرَعت فيها النواقيسُ

يا صرْف آنسةٍ في الخدرِ كانسةٌ
أرذي لها الخيلَ تعْلُوُها القرابيسُ

أرذي لها كلُّ ذي بدْنٍ وذي بَدَنٍ
كأنّ أحْرُفَهُم صبحاً قرانيسُ

شالت ظعائنُها في إثْر ظاعنِها
فالبيدُ من بعدها جُرْدٌ قراقيسُ

هيماءُ ما أخذت عينَ الفتى سِنَةٌ
عنها وما صبأت من شعْرها الروسُ

تدعو المسيحَ وأدعو أحمداً ولنا
معاً على الرمل تثليثٌ وتخميسُ

إنْ أقسَمَتْ أنها ليْ مثل رابعةٍ
أقسَمْتُ أني لها قدسٌ وقدّيسُ

يا ربّةً بعَثَت ميْتاً لتعشقهُ
كعشتروت وما استعلى أدونيسُ

لِمَا بعثتِ من الأجداثِ ذا حدثٍ؟
وما لوحشتِهِ إن عادَ تأنيسُ

حوريّةٌ من جنان الخلد هاربةٌ
عن سرّ آيتِها تُعمى القواميسُ

يَجُفّ في وصفها الحبر الغزيز وإن
يكُنْ بحوراً ويندُرْنَ القراطيسُ

هيفاءُ ناديةٌ غيداءُ شاديةٌ
معْ درب فردوسها تُؤتى الفراديسُ

حدْر الظفائرِ بانُ الجسمِ أحسبُهُ
بدراً عليهِ من الأجواءِ تدليسُ

على الجبين يخُطّ الحسْنُ آيتَهِ
ما خَطّ بالقلمِ المعصومِ إدريسُ

كأنّ بالرمش منها وهْي شاخصةٌ
خيْلٌ كسيْلٍ لدى الهيجا كراديسُ

للموتِ في عينها اليمنى أرى مَلَكاً
وكم من الموتِ تخفيهِ الكواليسُ

وفي شَفا عينها اليسرى أرى ثمِلاً
أسقاهُ كأسَ عُتَاقِ الخمرِ جلّيسُ

والخدّ كادَ بلا جرحٍ يسيلُ دمَاً
عامانِ يُسقى بماء الوردِ ملعوسُ

يا وجنتانِ كدينارينِ من ذهبٍ
والشمس ساطعةٌ والنورُ معكوسُ

أشُمّ بينهما طِيبَاً فسطحهما
كأنهُ في عتيقِ العُودِ مغموسُ

على حشا النحْر منها وهْي واجمةٌ
بنَفسجٌ حولهُ ينمازُ طاووسُ

نحرٌ بوقفتهِ صنديدُ معركةٍ
حين انتصارٍ تمشّى وهْو غِطريسُ

الصدرُ لوحُ زجاجٍ مسّهُ قبَسٌ
نارُ المصابيحِ أذكتها المقابيسُ

عليهِ نهدانِ من عاجٍ كأنهما
في معبدِ الشرقِ فانوسٌ وفانوسُ

كأنّ أيمنَهم لله مبتهلٌ
كما تبتّلَ وسْط الدِيْر قسّيسُ

أما اليسارُ فمَلْكٌ بين حاشيةٍ
يظُّنُّ أنهُ فوق العرشِ قدّوسُ

فكلّ نهدٍ لهُ سورٌ وساريةٌ
لهُ من الثوب ترويحٌ وتنفيسُ

يحْمرّ من خجلٍ حيناً ومن غضبٍ
حينََ يُلامسُ ثوباً منهُ ملموسُ

والخصر يَسْلِبُ من سيفٍ ذبابتهُ
أدَقُّ مِن هَيَفٍ أبداهُ دبّوسُ

حلّت عليهِ من الأرداف واقعةٌ
فما لهُ أيُّ حِسٍّ وهْو محسوسُ

كأنهُ موجَزٌ والردفُ فصّلهُ
في الخصرِ قَوْسٌ وفي الأردافِ تقويسُ

بالردف منها إذا قامت وإنْ قعَدَت
رعبٌ وما أرعبَ النعمانُ قابوسُ

بمشيهِ موّل المجنونُ قولتهُ
(يا حاديَ العيسِ ما أدنت لكَ العيسُ؟)

ما مَرّ عُبّادَ قومٍ في معابدِها
إلا تقلّدَهُم في الحالِ إبليسُ

© 2024 - موقع الشعر